توفي الأحد الماضي بالكويت الشاعر والمدقق اللغوي والصحفي السوري خالد جميل الصدقة عن عمر يناهر 64 عاما إثر إصابته بفيروس كورونا، تاركا إرثا أدبيا حافلا. وكان الشاعر السوري قد كتب قصيدة في أبريل/نيسان الماضي على وزن معلقة الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم أسماها "المعلقة الكورونية" وقال فيها:
ألا هُـــبِّــي بــكـمّـامٍ يـقـيـنـا رذاذَ الـعـاطـسينَ وعَـقِّـمـينا
فـنحن اليومَ في قفصٍ كبيرٍ وكـورونـا يـبـثُّ الـرعـبَ فـينا
إذا ما قد عطسنا دون قصدٍ تـلاحـقُـنا الـعـيـونُ وتـزدريـنـا
وإنْ سعلَ الزميلُ ولو مُزاحا تـفـرَّقـنـا شــمــالا أو يـمـيـنـا
وبـــاءٌ حـاصـرَ الـدنـيا جـمـيعا وفـــيـــروسٌ أذلَّ الـعـالـمـيـنا
وعمل الصدقة نائب رئيس قسم (دسك) في صحيفة "الجريدة" الكويتية، وعرف ببحثه في الدراسات المقارنة وحوار الحضارات، وألف كتاب "معجم لآلئ الأمثال والحكم المقارنة.. إنكليزي-عربي"، اختار فيه مجموعة كبيرة من الأمثال والأشعار والنصوص النثرية من مراجع إنجليزية قديمة وحديثة في جوانب الحياة المختلفة، وكشف عبر هذا المعجم عن الأصول العربية وغير العربية للعديد من الأمثال الإنجليزية. وخصصت صحيفة "الجريدة" الكويتية مقالا جماعيا عن الراحل بأقلام زملائه الذين أثنوا على دقته وبراعته اللغوية وأخلاقه الشخصية وعنايته بتصحيح النصوص وتجويدها، وبكلمات مؤثرة رثوه واستذكر محمد عمّار بعض أبياته الشعرية "أنا رحلة الأحزان تبدأ من دمي.. وتؤوب إن سمِعتْ حنين ندائي". وقال الصحفي محمد أبوبكر أبوهنتش إن "أبو يامن" كان "كالنسمة عبر، وكالهواء البارد مر، فارقنا بلا وداع، ورضينا بلا اعتراض، ومضينا بأحزان ثقال لا نلوي إلا على ذكريات حسان جمعتنا بأخ صادق وزميل مخلص ومعلم ماهر، خالد الذكرى، طيب الخصال، جميل الفعال". وفي لقاء سابق له مع وكالة الأنباء الكويتية، قال الشاعر الراحل إن هذا المعجم استغرق منه عشر سنوات من العمل والبحث في أمهات الكتب الإنجليزية والعربية، وتضمن آلاف الأبيات من شعر الحكمة العربي لأكثر من 600 شاعر أغلبهم من المجهولين، مشيرا إلى القواسم المشتركة بين الينابيع الثقافية المتعددة. وحرص الصدقة في معجمه على إيراد الأمثال الإنجليزية مسجلا التاريخ الذي شاع فيه المثل وقائله وتحولاته ومعناه، ويقارنه بما يجده من أشباه ونظائر في اللغة العربية ونصوصها، كما يقارنه بنصوص قرآنية وأحاديث نبوية وأمثال عربية، مشيرا للتشابه المدهش بين الأمثال الإنجليزية والعربية رغم اختلاف اللسان، وتباين الزمان والمكان. وتعود أصول الشاعر الراحل لمدينة النبك بمنطقة القلمون بريف دمشق، ودرس اللغة الإنجليزية وآدابها بجامعة دمشق، وعمل صحفيا في الصحف الكويتية، وترجم العديد من قصائد الأديب الإنجليزي ويليام شكسبير للعربية. وفي قصيدته الأخيرة "المعلقة الكورونية" بدا الصدقة كما لو كان يبعث بوصية أو تحذير للغافلين عن دروس الجائحة، إذ ختمها قائلا:
وأنــَّـا مـــا شـكـرنـا اللهَ حـقـاً عـلـى نـعـمٍ أتـتـنا مُـصبحينا