كشفت دراسة علمية جديدة أن منطقة الشذوذ المغناطيسي جنوب المحيط الأطلسي حيث تنخفض شدة الحقل المغناطيسي لأسباب غامضة شهدت اتساعا بشكل لافت خلال السنوات الماضية. ويسعى العلماء لحل لغز كيفية تشكل هذه الظاهرة الغربية وتأثيراتها الممكنة على الإنسان والحياة على الأرض في المستقبل.
(أكثر تعقيدا)
ويعتبر المجال المغناطيسي للأرض ضروري للحياة على كوكبنا، فهو يلعب دور الدرع القوي الذي يحمي الكائنات الحية من الإشعاع الكوني والجسيمات الشمسية المشحونة. وكثيرا ما يصور المجال المغناطيسي على أنه مغناطيس ذو قطبين يميل حوالي 11 درجة عن محور الدوران. لكن الشذوذ المغناطيسي الذي لاحظه العلماء في منطقة شاسعة بين أفريقيا وأميركا الجنوبية تشهد منخفضا في الكثافة المغناطيسية يظهر أن الحقل المغناطيسي للأرض أكثر تعقيدا في الواقع مما كان يظن العلماء في السابق. لذا فقد شارك باحثون من جامعة ليدز البريطانية والجامعة التقنية الدانماركية في دراسة جديدة نشرت في "نيتشر جيوساينس" في بداية مايو/أيار الجاري. وكشف الدراسة أن منطقة الشذوذ المغناطيسي جنوب المحيط الأطلسي مستمرة في التطور والاتساع حسب بيانات الأقمار الصناعية التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية.
(لغز محير)
ورغم أن العلماء يعرفون أن المجال المغناطيسي للأرض ينشأ بسبب حركة الحديد المنصهر الذي يدور في النواة الخارجية مثل دينامو دراجة مولدا تيارات كهربائية تنشئ بدورها المجال المغناطيسي فإن المنخفضات المغناطيسية وكيفية حدوثها تمثل لغزا محيرا بالنسبة لهم، كما لا يمكن التنبؤ بزمن ولا مكان حدوثها. لكن بعض العلماء يربطون بين مناطق الشذوذ المغناطيسي وظاهرة أخرى هي انقلاب المجال المغناطيسي للأرض عندما يصبح القطب المغناطيسي الشمالي للأرض في جنوبها والقطب الجنوبي في شمالها. فعلى عكس القطب الشمالي الجغرافي الموجود في موقع ثابت لاحظ العلماء منذ عام 1831 أن موقع الشمال المغناطيسي يتغير مع الزمن، وأنه يتحرك ببطء من المناطق القطبية الكندية باتجاه سيبيريا.
(تغير سريع)
وقد اكتسب هذا الانزياح منذ تسعينيات القرن الماضي سرعة بلغت بين 50 و60 كيلومترا سنويا مقابل أقل من 15 كيلومترا في السابق، وهو ما يعني ضرورة تحديث النموذج المغناطيسي العالمي بشكل متكرر، وهو أمر حيوي للملاحة على الهواتف الذكية على سبيل المثال. وأظهرت الأبحاث أن انعكاس المجال المغناطيسي للأرض يحدث كل بضع مئات الآلاف من السنين، غير أنه ليس من الواضح تماما كيف يمكن ربط هذه الانعكاسات بما يحدث حاليا مع الشذوذ في جنوب المحيط الأطلنطي كما يقول العلماء. وافترض بعض العلماء أن ذلك يمكن أن يكون ناتجا عن خزان ضخم من الصخور الكثيفة تحت أفريقيا يسمى منطقة السرعة المنخفضة الأفريقية الكبيرة. لكن المؤكد هو أن شذوذ جنوب المحيط الأطلسي لا يبدو ساكنا، فقد تزايد حجمه منذ عام 1970 في الوقت الذي يتحرك فيه غربا بوتيرة تقارب 20 كيلومترا سنويا. كما أظهرت البيانات الجديدة التي قدمتها أقمار "سوارم" (Swarm) التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية نشوء مركز ثان لانخفاض الكثافة المغناطيسية خلال السنوات الخمس الماضية داخل هذا الشذوذ قبالة ساحل جنوب غرب أفريقيا فيما يشبه الانقسام.
(هل هناك ما يدعو للقلق؟)
في الوقت الحاضر ليس هناك ما يدعو للقلق كما يقول الباحثون، إذ تشير وكالة الفضاء الأوروبية إلى أن التأثيرات الأكثر أهمية في الوقت الحالي تقتصر إلى حد كبير على الأعطال الفنية التي يمكن أن تحدث للأقمار الصناعية والمركبات الفضائية. ويحدث ذلك بسبب التعرض لكمية أكبر من المعتاد من الجسيمات المشحونة في المدار الأرضي المنخفض أثناء عبورها المنخفض المغناطيسي جنوب المحيط الأطلسي. لكن ذلك لا يعني أنه يجب التقليل من أهمية هذا الشذوذ المغناطيسي، فقد خسر المجال المغناطيسي للأرض في القرنين الماضيين حوالي 9% من قوته في المتوسط. "التحدي الآن هو فهم العمليات في لب الأرض التي تقود هذه التغييرات" كما يقول عالم الجيوفيزياء يورغن ماتسكا من مركز البحوث الألماني لعلوم الأرض لموقع "ساينس ألرت".