لم يكن أمام جل دول العالم من سبيل للوقوف في وجه اجتياح فيروس كورونا، سوى تجميد جل الأنشطة الاقتصادية، على الرغم من ما يترتب عن ذلك من تبعات اقتصادية واجتماعية وخيمة، الناجمة أساساً عن فقدان الوظائف وارتفاع صاروخي لنسب البطالة.
فالأزمة أصبحت عالمية، حسب مقال نشر في وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، وهي مرشحة بشكل كبير للارتفاع، على الرغم من أن عدداً كبيراً من الخبراء يجمعون على أننا في المرحلة الأولى من الأزمة فقط، إذ وصلت خسائر الوظائف وطلبات الرعاية الاجتماعية بالفعل إلى الملايين هذا الأسبوع على مستوى العالم.
أزمة لا مثيل لها
اعتبرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، في تصريح سابق، بأن الوضعية الحالية للاقتصاد العالمي في ظل تفشي وباء كورونا، تنذر بحدوث “أزمة لا مثيل لها”، إذ تشير الأرقام القادمة من كل دول العالم، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا إلى أكبر ركود في وقت السلم منذ ثلاثينيات القرن الماضي، حيث تجمدت اقتصادات العالم للتغلب على هذه الجائحة.
ويقول بيتر هوبر، رئيس الأبحاث الاقتصادية العالمية في البنك الألماني، لقناة بلومبيرغ: “نرى أن معدلات البطالة في الولايات المتحدة وأوروبا تزداد تدريجياً لتتجاوز 10%. وبالنظر إلى المعاناة التي سنشهدها على المدى القريب في الولايات المتحدة وأوروبا، فسيكون حجمها غير مسبوق منذ الكساد الكبير”.
وسيؤدي تزايد البطالة إلى زيادة الضغط على الحكومات والبنوك المركزية للإسراع بتنفيذ برامج إما لتعويض العاملين الزائدين عن الحاجة، أو لمحاولة إقناع أرباب العمل بتكديس الموظفين حتى يختفي الفيروس.
وقد يؤدي الفشل في تنفيذها إلى المخاطرة بزيادة شدة الركود أو انتعاشة ضعيفة تُلزم واضعي السياسات بدراسة المزيد من المحفزات لإضافتها إلى تلك التي طُبقت بالفعل.
القادم أسوأ
يتوقع خبراء الاقتصاد في بنك JPMorgan Chase & Co أن يرتفع مقياس البطالة في الأسواق المتقدمة بنسبة 2.7 نقطة مئوية بحلول منتصف هذا العام، بعد أن وصل أدنى مستوياته منذ أربعة عقود بداية سنة 2020.
ورغم أن بعض الانتعاش سيرافق تعافي الاقتصادات، فما يزالون يتوقعون ارتفاع معدل البطالة بنسبة 4.6% في الولايات المتحدة و8.3% في منطقة “اليورو” بحلول نهاية عام 2021.
من جانبها، حذرت منظمة العمل الدولية، الشهر الماضي، من فقدان نحو 25 مليون وظيفة إذا لم يصبح الفيروس تحت السيطرة، كما أن بنك “غولدمان ساكس غروب” توقع هذا الأسبوع أن ترتفع البطالة إلى مستوى قياسي يبلغ 15%.
وفي أوروبا، أظهر تقرير أن ما يقرب من مليون بريطاني تقدموا بطلبات للحصول على أموال الرعاية الاجتماعية في غضون أسبوعين، أي 10 أضعاف المدة العادية.
وأصدر مكتب الإحصاء في البلاد دراسة استقصائية عن الشركات وجدت أن 27% منها ستخفض مستويات الموظفين على المدى القصير.
الأرقام تتهاوى في أمريكا
تمثل هذه الصدمة لأسواق العمل أيضاً اختبار تحمل للنماذج الاجتماعية على اختلافها، إذ إن ثقافة الولايات المتحدة المرنة تعني أن العاملين الذين سيفقدون وظائفهم أكثر من نظرائهم في منطقة اليورو أو اليابان، حيث يوجد التزام أكبر بالإبقاء على الموظفين أثناء الصدمات الاقتصادية.
وتجلت اللمحة الأولية عن الانهيار الاقتصادي في الولايات المتحدة في تقرير العمل الشهري الذي صدر يوم أمس الجمعة 3 أبريل/نيسان، والذي أظهر انخفاض نسبة التوظيف الشهر الماضي للمرة الأولى منذ عقد من الزمان.
وتراجعت كشوف المرتبات بأكثر من 700 ألف، أي أكثر مما توقعه خبراء الاقتصاد بسبعة أضعاف، وهذه الأرقام مقلقة لأنها لا تشير إلا إلى بداية الأضرار التي لحقت بسوق العمل في أوائل مارس/آذار فحسب، قبل أكبر عمليات التسريح والإغلاق.
وبالتالي، فهناك ضربة أكبر قادمة، ولا سيما بعد ارتفاع عدد الأمريكيين المتقدمين للحصول على إعانات البطالة إلى رقم قياسي بلغ 6.65 مليون الأسبوع الماضي، أي أكثر من ضعف الرقم القياسي المسجل الأسبوع السابق.
وهذه الطلبات مجتمعة البالغ عددها 9.96 مليون في هذين الأسبوعين تعادل جميع طلبات الأشهر الستة والنصف الأولى من ركود عامي 2007 و2009.