تعد قضية التغير المناخي من أهم القضايا التي تشغل العالم حالياً، وذلك بسبب انعكاساتها السلبية التي ستؤثر على حياة المليارات من البشر.
وكثيرة هي مظاهر التغير المناخي، وتبدأ بارتفاع درجة حرارة الأرض والجفاف، ولا تنتهي بمظاهر الطقس المتطرف، من عواصف وأعاصير باتت تضرب العديد من دول العالم.
ولكن ما لا يدركه البعض، أن أزمة المناخ لا ترتبط تأثيراتها فقط بالتغيرات المناخية والطقس، بل هي تشكل أكبر تهديد أمني غير تقليدي يواجهه العالم، فتغيّر الظروف المناخية بشدة، بإمكانه تهديد أمن الدول ويعزز من احتمال نشوب النزاعات.
التغير المناخي والنزاعات
ويقول المحلل البيئي مصطفى رعد إن العلاقة بين التغير المناخي والنزاعات، باتت حقيقة لا يمكن إنكارها، فتغيّر المناخ يسهم بالقضاء على الموارد الطبيعية لعدة دول، مثل الماء والنباتات والمحاصيل الزراعية وحتى الثروة الحيوانية، وخصوصاً الدول التي تعاني من وضع هش، ما يُضعف قدرتها على الاستجابة لحاجات مواطنيها، المتعلقة بتوفير الموارد الأساسية، وهذا ما يؤدي في النهاية إلى نشوب نزاعات داخلية تزعزع استقرارها، بل حتى قد يؤدي إلى انهيار هذه الدول.
التنافس على المياه
وبحسب رعد فإنه بسبب آثار تغير المناخ والخوف من الجفاف، يحتدم التنافس بين العديد من الدول على المياه، وهذا تحديداً ما حصل بين الدول التي ترتبط مع بعضها بمسارات مائية مثل الأنهر، حيث قامت "دول المنبع" للأنهر، ببناء سدود على أراضيها والتحكم بمصادر المياه، من دون التشاور مع "دول المصبّ" التي كانت تعتمد على مياه هذه الأنهر، في عمليات الريّ والتنمية الزراعية، إضافة إلى تحقيق الأمن المائي للسكان، مشيراً إلى أن هذا التوجّه خلق وسيخلق نزاعات كبيرة بين الدول، قد تصلّ إلى حدّ استخدام القوة العسكرية.
الأراضي غير الصالحة للاستثمار
ويقول رعد إن التغير المناخي يزيد من نسبة الأراضي الزراعية غير الصالحة للاستثمار ونتيجة لذلك، تصبح الحياة بالنسبة للمجتمعات المحيطة بهذه المناطق الجغرافية غير مجدية، ويصبح الحلّ الوحيد هو النزوح القسري، حتى داخل البلد الواحد، وذلك للبحث عن أراضٍ جديدة يمكن استثمارها، مشيراً الى أن هذا الأمر يخلق حالة من التنافس للسيطرة على الأراضي الصالحة وخاصّة في الدول شديدة الفقر، وهو ما يؤجج التوترات والنزاعات بين السكان الجدد وبين السكان الأصليين.
فقدان الاستقرار
من جهته يقول مدير برنامج الأراضي والموارد الطبيعية في جامعة البلمند الدكتور جورج متري في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن ما يؤكد أن أزمة المناخ تشكل اكبر تهديد أمني يواجهه العالم، هو ما ذكرته عدة تقارير دولية ومناقشات مجلس الأمن الدولي حول أثر تغير المناخ على الأمن المجتمعي وفقدان الاستقرار.
منطقة جديدة غنية بالموارد
ويرى متري أن أكبر تهديد أمني سوف ينتج عن أزمة المناخ هو ذوبان الجليد في المنطقة القطبية الشمالية، مشيراً الى أن هذا التغير سيفتح مجالات جديدة للبلدان للتزاحم على الموارد والنفوذ.
وبحسب متري فإن المنطقة القطبية الشمالية كانت تاريخياً منطقة تعيش في حالة سلام، ولكن ذوبان الجليد قد يخلق ممرات بحرية جديدة ومصادر وفيرة للموارد الطبيعية ومنها الغاز، ومن هذا المنظار، يمثّل ذوبان جليد القطب الشمالي ظهور منطقة جديدة وغنية بالموارد التي قد تتصارع من أجلها الدول النافذة.
وشدد متري على أنه رغم أن السيناريوهات التي تم ذكرها ترسم مستقبلاً مظلماً، إلا أن الأوان لم يفت بعد، حيث يمكن لدول العالم تغيير هذا الواقع واتخاذ خطوات عاجلة لتقليل الاحترار المتزايد، الذي سيؤدي الى ارتفاع مستوى سطح البحر، ما يهدد مئات ملايين الأشخاص الذين يعيشون في الدول الجزرية الصغيرة النامية وغيرها من المناطق الساحلية المنخفضة حول العالم، والبلدان التي تشهد أصلا توترات أمنية، مشيراً إلى أن الاستدامة البيئية وأمننة التغير المناخي تساهم بخلق سلام مستدام.