أقرّ مجلس الدفاع الوطني، المتمثل بالمجلس الرئاسي والحكومة الشرعية ومجلسي النواب والشورى، في اجتماع طارئ له، يوم أمس، برئاسة رشاد العليمي، تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، محذّرا من التعامل معها، الأمر الذي اعتبره مراقبون "الخطوة الأولى" للمجلس الرئاسي نحو خيار الحسم العسكري.
جاء ذلك بعد هجوم حوثي استهدف بطائرتين مفخختين ميناء الضبّة النفطي في محافظة حضرموت، الأمر الذي يعد تصعيدا خطيرا من قِبل مليشيا الحوثي بعد قرابة أسبوعين من تهديداتها باستهداف شركات النفط والملاحة الدولية.
- خطوات متأخّرة
يقول الصحفي والناشط الحقوقي، محمد الأحمدي: "إن تصعيد مليشيا الحوثي في خطابها، ومن ثم في الفعل على أرض الواقع، يأتي في عوامل عدّة شجّعت المليشيا على الذهاب باليمن كرهينة لفرض اشتراطاتها، واشتراطات إيران الداعمة والمموّلة لها".
واوضح أن "العامل الأول هو سياسة التدليل التي مورست في التعاطي مع مليشيا الحوثي من قِبل الفاعلين الإقليميين والدوليين طوال السنوات الماضية، هي من أنسنت الجرائم التي تقوم بها هذه المليشيا، كمحاولة لإعادة تأهيلها لتكون طرفا سياسيا في المعادلة اليمنية، وجعلها طرفا موازيا مؤدلجا لبعض الأطراف الوطنية في اليمن، وذلك ضمن حسابات سياسية لبعض الأطراف الإقليمية والدولية".
وأضاف أن "العامل الثاني يتمثل الإخفاقات التي رافقت معركة التحرير في اليمن، واستعادة الدولة اليمنية، ودعم الشرعية، سواء من قِبل الحكومة الشرعية، وهي إخفاقات كبيرة، أو من قِبل التحالف ".
ويرى أن "وضع الحكومة الشرعية حاليا في موقف لا تُحسد عليه، وأن جميع النُّخب السياسية والمكوّنات، التي تنضوي تحت مظلة الشرعية، فرّطت بالكثير من الفرص ومكامن القوّة، وأوراق الضغط التي كانت من الممكن أن تستفيد منها طوال السنوات الماضية، والسبب ليست الحكومة فقط، بل أيضا التحالف الذي يقول إنه يدعم هذه الحكومة".
وقال: "اليمنيون لا يعوّلون على تهديدات الحكومة في هذا الظرف الذي تعيشه، وحالة الترهل التي تعاني منها مؤسسات الدولة، وأيضا في حالة ضعف الإطار المشروعي لمؤسسات الدولة".
وأضاف: "سمعنا عن تصنيف الحكومة لمليشيا الحوثي بأنها جماعة إرهابية، محذرة من التعامل معها، وأنا أتساءل إلى أي مدى الحكومة قادرة على إنفاذ قرار كهذا، واتخاذ إجراءات ما بعد هذا التصنيف؟".
واعتبر أن "كل خطوة تخطوها الحكومة الشرعية، ومن خلفها التحالف، كان من المفترض أن تخطوها قبل 5 إلى 6 سنوات"، مشيرا إلى أن "اجتماع مجلس الدفاع الوطني تأخّر كثيرا، وأن قرار تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية كان من المفترض أن يكون منذ العام 2014م، عقب انقلابها وتمرّدها على الدولة".
ويرى أن "الإجراءات، التي اتخذها مجلس الدفاع الوطني، هي قناعة وخطوة متأخرة، لأن مسار السلام عبر المفاوضات والمشاورات فشل فشلا ذريعا، ويتحمّل مسؤوليته الحكومة والتحالف والمجتمع الدولي".
ولفت إلى أن "هذه الإجراءات الحكومية، وإن جاءت متأخرة، إلا أنها بداية الطريق، في حال توفّرت الإرادة السياسية لاتخاذ قرارات شجاعة تلبّي طموحات اليمنيين، وتتناسب مع تضحياتهم الجسيمة طوال السنوات الماضية في استعادة الدولة".
وأوضح أن "جميع معارك اليمنيين، منذ 8 سنوات وقبل ذلك، الهدف منها السلام وتحقيق السلام، ومسار السلام يكون إما بالمفاوضات والحوار، وهذا الخيار أثبت فشله مع مليشيا الحوثي بشكل لا يقبل التشكيك، أو مسار الحسم العسكري، وهذا هو الخيار الذي يتناسب مع مليشيا لا تؤمن بالسلام".
وتابع: "كل التنازلات، التي قُدمت لمليشيا الحوثي، فُهمت على أنها مكافأة لها للاستمرار بأعمال الإرهاب والعنف بحق الشعب اليمني، واحتجاز اليمنيين رهائن للمقايضة، على الاعتراف بها كسلطة،
تنازلات أصابتنا بالإحباط
من جهته، يقول الخبير العسكري، محمد الكميم: "إن اجتماع الرئيس العليمي بمجلس الدفاع الوطني يعد خطوة مهمة ولازمة في مثل هذه الظروف، وفيها رسائل كثيرة، سواء إلى الداخل أو إلى الخارج، ويؤكد أن مجلس الدفاع الوطني يؤدي واجباته الرئيسية في اتخاذ القرارات المناسبة إزاء صلف مليشيا الحوثي الذي قد يودي باليمن واليمنيين إلى وضع أسوأ مما نحن فيه اليوم".
وأضاف: "المجلس الرئاسي بذل كل التسهيلات المناسبة، وقدّم جميع التنازلات، إلى درجة أننا اصبنا بالإحباط من تلك التنازلات السيادية مثل فتح ميناء الحديدة والسماح بالجوازات الصادرة من المليشيا، ورأينا تنصل المليشيا من الالتزام بفتح طرقات تعز وصرف مرتبات الموظفين".
وأشار إلى أن "مليشيا الحوثي تسعى بكل قوتها لإدخال اليمن في دوامة كبيرة من خلال استهدافها لخط الملاحة الدولية، وتتحول إلى مليشيا قرصنة بحرية، فإنها تعرِّض اليمن واليمنيين إلى مفاقمة مأساتهم، وهي لا تختلف عن داعش والقاعدة في أي شيء".
وأوضح أن "مليشيا الحوثي تريد أن تفشل المجلس الرئاسي لكي يفقد الشعب ثقته به، وتحطّم آمال الناس به، وهي تراهن على إفشاله، لذا فالمجلس الرئاسي أمام مسؤولية تاريخية أمام الشعب، وكذلك إثباتا لوجوده وقدرته على إدارة الملف اليمني".
وقال: "اليوم المجلس الرئاسي بيده القوّة السياسية، والعسكرية، والشعبية، وجميع المكوّنات والنخب تقف إلى جانبه، فإن أدرك حجم المسؤولية، وعلم أن الشعب أعطاه الثقة الكاملة، وعليه أن يدرك ذلك، أو أنه سيمكّن المليشيا تمكينا كاملا من اليمن بشكل رئيسي".
- مفارقات عجيبة
من جهته، يقول المحلل السياسي، الدكتور محمد جميح: "إن مليشيا الحوثي، خلال السنوات الماضية، وهم يقولون بأن التحالف يستهدف البنية التحتية للاقتصاد الوطني، ونجحت، خلال الفترة الماضية، من التسويق لهذا الأمر، واكتسبت شيئا من القبول الداخلي، بناءً على هذه اليافطة التي يرفعونها، لكنها اليوم تستهدف منشآت حيوية ليست عسكرية، وترفد ميزانية الدولة، ويستفيد منها كل اليمنيين".
وأضاف: "استهداف مليشيا الحوثي لميناء الضبة بحضرموت يؤكد ما نقوله منذ سنوات طويلة بأن هذه المليشيات إما أن تحكم اليمن أو أن تهدمه، وليس لها خيار آخر".
وأشار إلى أن "المليشيات، التي سوّّقت لإيقاف معركة الحديدة بدافع الحفاظ على ميناء الحديدة، هي اليوم تستهدف موانئ اليمن في شبوة وحضرموت، بينما العالم كله يندد، وهو مجرد تنديد أشبه بالتعزية، فالتعزية لا تنفع الأموات، والتنديد لا ينفع الأحياء، الذين استُهدِفوا".
وأضاف: "لا ينبغي أن نركن على إدانات المجتمع الدولي، فهو لا يتحرّك بناءً على قيم ومبادئ معيّنة، وعلى أساس أن هذه الجماعة إرهابية أو غير إرهابية، وإنما يتحرك بناءً على قوة على الأرض".
ويرى أن "الحكومة الشرعية هي الأقوى على الأرض، ولكنها تحتاج إلى شيئين، أولا: التنسيق بين هذه القوى، وتحتاج إلى إرادة سياسية، من أجل أن تكون هذه القوة فاعلة".
ولفت إلى أن من المفارقات العجيبة أن مليشيا الحوثي تريد فتح ميناء الحديدة، وتستهدف ميناء الضبة بحضرموت بغية إغلاقه، مع أنها كلها موانئ يمنية، ويستفيد منها اليمنيون".
وأشار جميح إلى أن "مجلس القيادة الرئاسي ومجلس الدفاع الوطني اليوم على المحك، سواء حذّرا أو لم يحذّرا، فإما أن يثبتا بأنهما يستوعبان المخاوف والمخاطر التي تحدق بالبلاد أو أنهما سيخسران الكثير، وقد خسرا من قبل، ولكن الخسارة ستكون أكبر، عندما يصبح التهديد يستهدف منشآت الدولة تحت يافطات هزيلة، كأن تتهم المليشيا التحالف بأنه يسرق نفطنا، فهل التحالف، الذي يصدّر ملايين البراميل من النفط بحاجة لما يصدر من براميل معدودة في ميناء الضبّة، من أجل صرف مرتبات الناس؟".