في ظل تهريب آثار اليمن الممنهج وتواجدها في متاحف العالم وبمعارض المزادات العالمية في معظم العواصم الغربية، حول المسن اليمني أحمد عبادي الحداد القادري (75 عاما) منزله إلى متحف خاص لجمع العملات القديمة.
50 عام هو عمر هذا المتحف المصغر في غرفة منزل طيني في حي شعبي بمحافظة مأرب يتوهج منه روح الوطنية التي تجري في عروق القادري وهو يزمجر مسرور بصوت مبحوح يشرح لزوار متحفه عن تاريخ بلاده وأهمية مقتنيات متحفه وعملات أجياله السابقين.
عملات 14 دولة
سبب اهتمام القادري وهوايته منذ شبابه بجمع الآثار والعملات التي عايش تاريخها وسريانها منذ حكم الإمام الأول ومن بعدها السلال ثم الحمدي وحتى آخر عملة طبعت في زماننا اليوم، ضمها العجوز إلى صندوق العملات الخاصة بمتحفه.
يطغى على غالبية مقتنيات المتحف العملات المعدنية والورقية يمنية وعربية وأجنبية أكثر من التحف والآثار الأخرى.
السعودية والكويت وعمان والامارات ومصر والصومال والحبشة وأمريكا والأردن وإسبانيا وباكستان وسوريا والهند والسودان، كلها دول احتفظ القادري بعملات قديمة جدا، فمنها من زارها واحتفظ بعملاتها قديما ومنها اشترى عملتها من زوار تلك الدول إلى اليمن قديما.
فيما العملات اليمنية جمع القادري كل العملات منذ الخمسينيات، فبقشة الإمام والهللة وبقشة السلال والعملات اليمنية التي طبعت منذ رئاسة السلال إلى اليوم من عملات معدنية وورقية، بالإضافة دنانير دولة الجنوب اليمني قديما بعدد من عملاته من الدينار إلى ألف دينار.
هذا بالإضافة إلى عدد من التحف والآثار والبرونزيات القديمة اليمنية والمصرية والعمانية المصنعة يدويا.
حب القادري لجمع الآثار وتوثيق تاريخ بلده هو ما دفعه إلى شغف جمع التراث والآثار العربية واليمنية الاقتصادية خاصة.
لكن ليست التحف والعملات ما يهواها القادري، بل للنساء في قلبه حب وشغف أكبر حيث تزوج الرجل تسع نساء بين يمنيات وعربيات جمع من خلال حياته الراحلة والمتنقلة بين الدول العربية واليمنية شغف حب وطنه أكثر وحب آثار بلاده بشكل كبير.
توثيق لتاريخ بلده
يقول القادري لـ"الموقع بوست" إن هذه العملات وتلك البرونزيات توثق لحظات حياته وذكريات الزمن الجميل الذي مر بها.
وحسب القادري فإن قيمة تلك العملات اليوم أغلا بكثير من قيمتها في زمن تداولها في الأسواق حينها، وذلك لأنها تحولت من عملة مالية إلى تاريخ وتراث يرتبط بها أحداث بلدان وذكريات وزمن ولى.
كل هذا الشتات والضياع للآثار اليمنية زاد القادري همة للحفاظ على ما اقتناه من عملات وتحف.
أعد القادري صندوق خاص من الألمنيوم والزجاج للحفاظ على العملات الورقية والمعدنية وعرضها دون أن تتضرر وتكون في حماية وأمان.
رغم الإغراءات "لن أبيع تاريخي"
رفض القادري الكثير من الإغراءات المالية التي يقدمها له عدد من الزائرين إلى منزله لشراء بعض العملات الورقية والتحف بمبالغ مغرية دون جدوى.
ويعتبر القادري بيعها بيع لتاريخه وذكرياته وهوايته شخصيا، وكذا بيع لتاريخ بلاده بثمن بخس لن يدوم كما تدوم هذه العملات الغالية على قلبه، وكذلك لأن هذه تعد تراث ولا ثمن للتراث والتاريخ فهو لا يقاس بثمن، بحسب وصفه.
يقول العجوز القادري عند زيارته لمتحف في مصر فإنه وجد تحفة أثرية "للصانع اليمني" الذي كان يصنع التحف والآثار وكتب عليه الصانع اليمني. مشيرا إلى أن الحزن يعتصر كل غيور عندما يرى آثار وتاريخ وطنه في غير وطنه.
"لا يوجد مسؤولية في حماية آثار البلد وتاريخية فالباب مفتوح لمن هب ودب للسرقة والنهب والتهريب والبيع للآثار اليمنية ونخوة منزوعة من كل من يفعل ذلك بآثار البلاد"، حد قوله.
زمن الإمام في داره
الباولة والعانتين والثُمن والبقشة والهللة مسميات لأقدم عملات في المتحف (من زمن الإمام) يحتويها متحف القادري منذ السبعينيات، بالإضافة إلى 500 مقتنية من عملات معدنية وورقية وتحفة توجد في متحفه الصغير الذي لم يطلق عليه اسم معين.
لا يفضل القادري تحفة أو عملة عن غيرها "كل ما في حوزتي من مقتنيات المتحف أحن إليها وأحبها وكلها متعوب على جمعها"، يضيف القادري.
هناك عملات لازال القادري حزين لغيابها عن متحفه وهي العملات اليمنية الحجرية، الريال والنصف الريال (المصنعة من الحجر)، كذلك بعض عملات دول أخرى مثل العراقية والجزائرية والتونسية والمغربية.
وراثة الكنز
وفي الوقت الذي بات فيه القادري بعمر 75 عام لم يترك متحفه والإهتمام به، فهو يلزم أولاده الذين سيرثون عنه كنزه الثمين بنظره والأوراق غير المهمة بنظر أبنائه بالاهتمام بما عمل جاهدا على جمعها والحفاظ عليها أو تسليمها لجهة رسمية مختصة لكي لا يضيع جهده وتاريخ العملة اليمنية إدراج الرياح.
وأكد أنه لو فتح متحف حكومي في مأرب سيعمل على تسليم ما معه للمتحف لكي تبقى هذه المقتنيات في مكان آمن ومحفوظ من السرقة أو الإهمال والعبث، حسب قوله.
يتابع القادري الذي لم يلتحق بمدارس التعليم أن السلطة المحلية والجهات المختصة بالآثار والمتاحف في مأرب لم تعلم بوجود هذا المتحف حتى الآن فالاهتمامات بعيدة عن كل هذا التاريخ.