كان "برهان" يعد الأيام منتظرًا موعد العودة ليحين، حتى يعود في إجازة لأيام من مدينة تعز المحاصرة إلى مسقط رأسه في مديرية شرعب، الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي. وحتى لا يضيع وقته اشترى كل ما يلزمه من مواد غذائية من المدينة قبل أن تقله السيارة عائداً عبر طريق جبلي وعر يمر بمديرية جبل حبشي غربي المدينة.
ست ساعات قضاها برهان في رحلة سفره، ليصل إلى "مفرق شرعب"، بدلاً من أقل من 15 دقيقة كان يستغرقها سفره إلى ذات المنطقة قبل أن يطوّق الحوثيون المدينة بحصار جائر؛ وكانت الصدمة حينما أوقفه الحوثيون في نقطة بمنطقة "اليعيير" ونهبوا كل ما اشتراه من مواد غذائية لأسرته المكونة من 5 أطفال، بحجة منع دخول أي بضائع من المناطق المحررة إلى مناطق سيطرتهم.
يقول برهان، إنه اشترى بعض الحاجيات "ثوم، وعصير مجفف، وأيضا قهوة معلبة، ودقيق"؛ لكن الحوثيين "أنزلوا الحمولة وقالوا هذا ممنوع يخرج"؛ ورغم مناشدته لهم بأن يفرجوا عن طعام أطفاله اتهموه بشراء بضائع من صنع أمريكي وإسرائيلي ومخالفة قرار منع استيراد أي بضائع من المناطق المحررة ليبرروا سطوهم عليها.
وأكد برهان، أن الحوثيين نصبوا هذه النقطة التي تمارس عمليات ابتزاز يومي على المسافرين، "بجانب مسجد حولوه لسجن، وأيضاً مبنى وحدة صحية يدخلون السيارات في فنائه، وبعدها يتم تحويل من يعتقلونه للسجون التي أنشأوها في مدينة الصالح".
وبعد محاولات عاثرة، نصح الركاب برهان بعدم إطالة الجدل مع مسلحي المليشيا حتى لا يعتقلوه، ما جعله يتنازل مجبراً عن قوت أطفاله، مستطردًا "صح، أخذوا مني قليل لكنه قوت أولادي لشهر. الله لا سامحهم".
يضيف برهان: "أخذوا قوت أولادي لشهر، ويقولوا يخافوا علينا". وعقّب ساخراً "الكاتوشا حقهم ما تقتل، والحصار الجائر هذا، والغلاء وحرب العملة هذه ما تقتل!"، مؤكداً أن المليشيا الحوثية ستقوم ببيع بضاعته تلك كما تبيع بضائع أخرى منهوبة من المسافرين بنفس الحجج والمُبررات الواهية.
وأشار المحلل السياسي عبدالواسع الفاتكي، إلى أن "تصرفات المليشيا الحوثية المتعلقة بمنع دخول بعض البضائع من مناطق الشرعية لا تخرج من كونها ممارسات تهدف من خلالها إلى ابتزاز التجار أو حاملي تلك البضائع ولو كانوا أفراداً؛ للحصول على إتاوات ومبالغ مالية أو لمصادرة تلك البضائع وبيعها والاستفادة من عوائدها".
وأكد فاروق ردمان، تاجر يعمل في صنعاء أن البضاعة التي تأتي من موانئ جنوب البلاد "تصلنا بسعر أقل عبرالموردين القدامى؛ لكن الآن غير الحوثي أغلب الموردين وأصبحت التجارة موالاة، وتصلنا البضاعة من ميناء الحديدة بتكلفة مضاعفة، بالإضافة لقرارات منع الاستيراد التي تنهك المواطن العادي، وتزيد من سعر الأصناف البلدي، وتختزل المنافسة".
ويرى ذلك الفاتكي أنه لا يُستبعد أن تكون هذه الممارسات في إطار إجراءات تضيق الخناق على التجار الذين تصنفهم المليشيا بأنهم غير موالين لها ومن ثم فالمستفيد من هذه الإجراءات سيكون أصحاب المحلات التجارية الموالين للمليشيا الحوثية أو القريبين منها.
ويصف الصحفي الاقتصادي وفيق صالح التصرفات الحوثية بالمقامرة، وأن المواطن البسيط هو الخاسر الأكبر والاقتصاد بشكل عام، حيث تتضاعف أسعار السلع والمواد الغذائية، نتيجة القيود المفروضة على عملية نقل البضائع، وتعود على شكل أعباء مالية ثقيلة يدفع ثمنها المواطن والمستهلك.
ويرى أن الهدف من منع دخول البضائع من المحافظات المحررة إلى مناطق الحوثيين، هو رفع وتيرة الاستيراد عبر ميناء الحديدة وبقية الموانئ والمنافذ الخاضعة لسيطرة الجماعة، بهدف زيادة الموارد والإيرادات من عملية الجمارك.
ولفت إلى أن مليشيا الحوثي، تسعى لإجبار التجار وكبار المستوردين عن التحول إلى ميناء الحديدة للاستيراد، والتوقف عن الاستيراد من الموانئ الأخرى الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، وهي من خلال هذه الخطوة تسعى إلى ضرب عصفورين بحجر، زيادة مواردها الجمركية والضريبية، وضرب النشاط التجاري في المنافذ الحكومية.