داخل مكاتب المخابرات الأمريكية «سي أي إيه» جلس عدد من المسؤولين يعصرون أدمغتهم قبل وضع اللمسات الأخيرة على خطتهم الجديدة، كانت الحرب تبدو باردة بين بلادهم والسوفييت على المستوى العسكري، لكن في عالم المخابرات السري كانت الحرب مشتعلة عن أخرها، كانوا في الستينات من القرن العشرين، الوقت الذي عج بالإثارة والأحداث في كثير من بقاع الكرة الأرضية، ولم تكن الإثارة أقل في بلاد العم سام.
ولادة «مشروع كيتي» كان البحث عن الجواسيس السوفييت مستمر ولا يتوقف وحقيقة وجودهم داخل الأراضي الأمريكية أمر مسلم به، لذا كان السؤال دائمًا حول كيفية الإيقاع بهم، وهنا ولد «مشروع كيتي»، الخطة التي كانت ستكلف المخابرات الأمريكية 10 ملايين دولار لتنفيذها، أما بطلها فلن يكون من البشر بل قط، مجرد قط. الفكرة التي تفتقت إليها العقلية الأمريكية حينها هي زرع شخص لا يثير الريبة ويستطيع التحرك بحرية يستمع لكل ما يجري حوله وينقله بشكل دقيق ومفصل يساعد على الإيقاع بالجواسيس، لكن هذه المعايير لم تكن تنطبق على إنسان فكان الاختيار الأفضل في رأيهم أن يستعينوا بقط، لكن عليه قبل البدء في العملية أن يجرى عليه بعض التعديلات. ووضع القط تحت مشرط الجراح تمهيدًا لإطلاقه في العملية، كما تروي المستندات التي نشرت تفاصيلها صحيفة «اكسبرس» البريطاينة. وقام رجال المخابرات الأمريكية بزرع ميكروفونًا في أذن القط، كما أوصلوا أسلاكًا بذيله ليعمل الذيل كـ«هوائي» وصل كلاهما ببطارية تم تخييطها في صدره. صعوبات واجهت علماء “CIA” في زراعة أجهزة التجسس في جسم القطة وأوضح أنه كان يجب الأخذ بالحسبان، ألا تسبّب أجهزة التجسس تلك أيّ تهيّج، يدفع القطة لمحاولة إخراج الجهاز عن طريق فركه أو خدشه أو لعقه، بالإضافة إلى أن المعدات أيضاً تحتاج إلى تحمّل درجة الحرارة الداخلية للقطة والرطوبة وغيرها. وأكد “ماركيتي” على أنه في النهاية قامت وكالة المخابرات الأمريكية، ببناء جهاز إرسال يبلغ طوله (2 سم) وضعته تحت الجلد وأسفل جمجمة القط، وكان العثور على مكان للميكروفون يستطيع أن يلتقط الصوت بشكل واضح أمراً صعباً في البداية. وتابع “مراكيتي” أنه وقع الاختيار على قناة الأذن ليوضَع فيها الميكروفون، مشيراً إلى أن الهوائي كان مصنوعاً من سلك ناعم على العمود الفقري وصولاً إلى الذيل.
وأوضح أنّ أكثر ما سبّب المشاكل كانت هي البطاريات؛ نظراً لأنّ حجم القطّ جعله يقتصر على استخدام أصغر البطاريات فقط، وقيّد مقدار الوقت الذي يمكن للقط أن يسجله. وكشف أنه بعد 5 سنوات من التدريب والتحضير وصناعة الأجهزة وتجربتها وزراعتها داخل القطة، والتأكّد من أنها تعمل بشكل جيد، وصلت تكلفة العملية برمتها إلى حوالي 20 مليون دولار، لكنّ الأسوأ لم يأت بعد.
تجربة القطة في الميدان وواصل “ماركيتي” حديثه للصحيفة آنذاك، أنه بعد كل تلك السنوات من التدريب داخل المختبر والملايين التي صرفت على الخطة، وتطوير الأجهزة، حان وقت تجربتها في الميدان. وقال: إن عملاء المخابرات الأمريكية انطلقوا حينها إلى حديقة عامة في شاحنة صغيرة، فتحوا الباب وأعطوا القط الجاسوس مهمته الأولى، التسلل إلى رجلَين يجلسان على مقعد قريب والتنصت على محادثتهما. تجربة القطة في الميدان وواصل “ماركيتي” حديثه للصحيفة آنذاك، أنه بعد كل تلك السنوات من التدريب داخل المختبر والملايين التي صرفت على الخطة، وتطوير الأجهزة، حان وقت تجربتها في الميدان. وقال: إن عملاء المخابرات الأمريكية انطلقوا حينها إلى حديقة عامة في شاحنة صغيرة، فتحوا الباب وأعطوا القط الجاسوس مهمته الأولى، التسلل إلى رجلَين يجلسان على مقعد قريب والتنصت على محادثتهما.
حادث سير يقلب الأحداث كانت الفكرة في الاستعانة بالقط أن أحدًا لن يلقي بالًا لقط يجلس على الشباك أو يتمشى بجانبه أو يجلس أسفل كرسيه، ولن يتخيل أحدًا أن القط ينقل الحديث مباشرة إلى مكاتب المخابرات الأمريكية، وخضع القط لاختبارات عديدة أثبتت نجاح الفكرة، وجاء موعد الاختبار الأخير. وروى “ماركيتي” أنّ ما حدث لم يكن أحدٌ يتخيله، قائلاً: “لقد أخرجوها من الشاحنة، ومباشرة جاءت سيارة أجرة ودهستها، وها هم جالسون في الشاحنة، ينظرون إلى 5 سنوات من الجهد و20 مليوناً من التكاليف ميتة!” وأشار إلى أنّ القطة التي أطلق عليها اسم “فرانكنشتاين” لم تفقد آخر تسعة أرواح لها فحسب، بل قُتل المشروع كله. يومًا عاديًا عاشه الأمريكان الذين خرجوا لشم الهواء بأحد المتنزهات، حين دخلت سيارة «فان» بهدوء وفُتح بابها ليخرج منه قط ويغلق الباب مجددًا دون أن يلاحظ أحدًا ما حدث، وداخل «الفان» جلس رجال المخابرات الأمريكية ينتظرون أول إشارة حقيقية من قطهم الجاسوس لكن الانتظار طال ولم يصل شيئًا، صمت قاتل لم يكن يتوقعه أكثر المتشائمين، ماذا حدث للعميل القط؟ وبعد البحث عن القط وجد ميتًا بعد أن دهسه تاكسي عقب نزوله من سيارة الـ«سي أي إيه». وفي تقريرهم عن العملية، كتب المسؤولين عنها كما اتضح في الوثائق التي نشرتها المخابرات الأمريكية في 2001، «اختبارنا الأخير للقطط المدربة أقنعنا أن البرنامج لن يكون عمليًا بالنسبة لاحتياجاتنا الخاصة»، ورغم ذلك أكد التقرير أن الاختبارات أثبتت إمكانية تدريب القطط على هذا العمل. ولفت إلى أنه على الرغم من ذلك، فإنّ وثائق وكالة المخابرات الأمريكية التي رُفعت عنها السرية، ورغم فشل المهمة، جاء في التقرير النهائي :”إنه إنجاز علمي رائع، لمعرفة أنه يمكن بالفعل تدريب القطط لمهام مماثلة”. وأكد على أنهم أشادوا بعلماء وكالة المخابرات لعملهم “الرائد”، لكن في النهاية خلصت وكالة المخابرات الأمريكية إلى أنه بالنظر إلى “العوامل البيئية والأمنية في استخدام هذه التقنية في بيئة خارجية لن يكون ذلك عملياً”.