ارتفعت وتيرة نشاط القيادة اليمنية في جبهات القتال، لتعميد توافق القوات على الأرض، تحت "الرئاسي"؛ ما حمل رسائل حاسمة لمليشيات الحوثي.
وبدأ هذا الحراك العسكري بكسر نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، قائد المقاومة الوطنية العميد ركن طارق صالح، عزلة تعز للمرة الأولى منذ 2014، ليمتد إلى زيارات مكثفة لوزير الدفاع الفريق الركن محمد المقدشي لجبهات الضالع وأبين وتعز وحجة لأول مرة أيضا.
وشكلت زيارة صالح والمقدشي إلى تعز رسالة واضحة، لمليشيات الحوثي، التي استشعرت خطورة التوافق تحت مظلة مجلس القيادة الرئاسي، والتئام القوات العسكرية مختلفة التوجهات.
تعز نقطة البداية
وكانت تعز أول جبهة قتال فتحت لردع الانقلاب الحوثي على مستوى اليمن، حين شكل العميد عدنان الحمادي نواة المواجهة الأولى مع المليشيات، برفقة عدد من ضباط الجيش، وامتدت بعد ذلك المواجهة إلى عديد المحافظات بدعم مباشر من قوات التحالف العربي.
كما يكتسب هذه الحراك أهمية كبيرة تتمثل بالاقتراب من أوضاع القوات العسكرية وخارطة الجبهات ومسرح المواجهات المترامي الأطراف، وتقييم احتياجات المعركة ورفع الروح المعنوية للجنود، وبالتالي التأكيد على جهوزية القوات على الأرض ،وقدرتها لردع أي عدوان للحوثيين.
على أهبة الاستعداد
ويرى خبراء أن إعادة ضبط طارق صالح بوصلة المعركة شمالا والحراك المكثف لوزارة الدفاع اليمنية، بلور جهدا مشتركا للاستعداد لمعركة فاصلة في ظل تعنت مليشيات الحوثي ورفضها الصريح مؤخرا لتمديد الهدنة الأممية.
كما رفض الحوثي تنفيذ أحد البنود الرئيسية في الهدنة، وهو فتح الطرق لتعز، وكثف هجماته العدائية من مأرب والضالع والساحل الغربي إلى تعز، في دلالة على مراوغته الدائمة وعدم رغبته بالسلام والعيش في ظل الحرب، وفقا لما قاله خبراء في تصريحات منفصلة لـ"العين الإخبارية".
بوابة المعركة
بعد أيام من وصول طارق صالح إلى تعز، زار وزير الدفاع الفريق الركن محمد المقدشي، أمس السبت، جبهات المحافظة المحاصرة منذ 7 أعوام ونصف، للمرة الأولى منذ انقلاب الحوثي أواخر 2014.
ورافق وزير الدفاع في زيارته الميدانية إلى تعز قائد المنطقة العسكرية الرابعة اللواء الركن فضل حسن، والتي تعد المحافظة ضمن مسرح عملياتها القتالية، وكذلك رئيس هيئة الاستخبارات في وزارة الدفاع اللواء الركن أحمد اليافعي.
وقال مصدر عسكري لـ"العين الإخبارية"، إن وزير الدفاع زار الخطوط المتقدمة في الجبهات الغربية في المحافظة، سيما المرتفعات المطلة على "الكدحة" والمطلة على المدخل الغربي المؤدي إلى مدينة تعز.
المصدر العسكري أوضح أنه حال تم تمديد الهدنة من المقرر أن يزور المدينة المحاصرة رئيس الحكومة اليمنية معين عبدالملك، إلى جانب زيارة ثانية سيجريها نائب الرئيس طارق صالح استكمالا لجهوده في إعادة ضبط بوصلة المعركة من بوابة تعز لتحرير الشمال من قبضة الحوثي.
وخلال زياراته الميدانية، حث وزير الدفاع اليمني القوات في محاور القتال على التحلي باليقظة والجاهزية والتعامل بحزم مع الأعمال العدائية والإرهابية لمليشيات الحوثي، والتصدي لحماقتها وتماديها في خروقاتها للهدنة الأممية.
وقال المقدشي إن "الشعب اليمني له حقٌ أصيل في استعادة دولته وأمنه واستقراره وتحرير أرضه من التدخل والإرهاب الإيراني ومليشيات العنف والتطرف الحوثية"، مضيفا: "نحن دعاة سلام ونحارب من أجله، لكن مليشيات الحوثي لا تؤمن بالسلام ولا بالتعايش والشراكة، وتجاربنا معها مريرة، ومعروف عنها الغدر والخيانة".
وأكد أن الاستقرار والسلام في اليمن والمنطقة لن يتحقق إلا بإنهاء التمرد الحوثي ومشروعه الإيراني المهدد للأمن الإقليمي والعالمي، موضحا أن القوى اليمنية باتت أكثر تماسكاً منذ تسلم المجلس الرئاسي للسلطة.
وقدم وزير الدفاع اليمني الشكر والعرفان لتحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية ودولة الإمارات إثر الجهود الداعمة للشعب اليمني في معركته الوجودية ضد مليشيات الحوثي ومشروعها، الذي يسعى لجعل اليمن خنجراً مسموماً في حاضنته العربية ومنصة تهديد للأمن الإقليمي والعالمي.
الجاهزية لكل الخيارات
يرى خبراء يمنيون أن حراك نائب الرئيس طارق صالح ووزير الدفاع اليمني، لا سيما في تعز ولأول مرة منذ بداية الحرب أنها "رسالة صريحة لمليشيات الحوثي بجاهزية القوات الشرعية لكل الخيارات حال استمرت المليشيات في رفض خيار السلام وخرق الهدنة".
ويقول الناشط السياسي والإعلامي اليمني عبدالسلام القيسي أن التحركات الأخيرة تشير إلى أن "بوصلة المعركة حال نقض الحوثيون كعادتهم الهدنة تتجه صوب المناطق الوسطى في عمق الشمال اليمني".
ويضيف في تصريح لـ"العين الإخبارية": "لو تأملنا قليلاً لوجدنا أن العقلية اليمنية والكثافة السكانية تتركز في محافظات تعز وإب وريمة وذمار وإلى بقية الشمال، وهذا المخزون البشري الهام هو مخزون الحوثي الذي يقاتل به".
ولا يغفل الناشط اليمني أهمية معركة الحديدة باعتبارها رئة المليشيات البحرية، إلا أنه أكد أن قيمة مناطق الوسط والشمال تحولت لمخزون بشري للحوثيين ما "يحتم على المعركة أن تتجه شمالاً لاستنقاذ العمق القبلي للشمال الخاضع لسطوة الانقلاب المدعوم إيرانيا".
وتحدث القيسي عن "جهود طارق صالح في إعادة ضبط بوصلة المعركة وعمله وبجهد كبير على لملمة صفوف الشمال، وأخص بذلك الساحل وتعز، وإذابته لجليد الخلافات وفق هدف ومعركة واحدة أعاد الصمود للشعب تحت سيطرة الحوثي الذي كان قد فقد أمله وهو يشاهد تبخر الصراعات على الساحة الوطنية".
وأردف: "يكفي تعرية الحوثي دوليا كمليشيات تقتات بالحرب لتنطلق المعركة شمالاً وتنتفض القبائل والجبال بوجه الانقلابيين ويكفي التلاحم الذي شاهدناه ليكون زيت الانتصار وشعلته الوضاءة".
من جانبه، اعتبر الناشط في الحزب الناصري صلاح الجندي أن زيارة طارق صالح إلى تعز، "دليل على تعامله بعقلية رجل الدولة الذي يتجاوز كل الخلافات والمعارك الجانبية وتهور البعض وعدائهم الذي لا يخدم سوى المليشيات" فيما يخطو وزير الدفاع ذات الخطوات لتعميد التوافق على الأرض بين القوات العسكرية.
وأوضح الجندي في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن "الزيارات إلى محور تعز الذي يضم جبهات مهمة في مسرح العمليات العسكرية تأتي للمرة الأولى منذ بداية الحرب قبل 8 أعوام حيث تعد ساحة مواجهة محتدمة مع مليشيات الحوثي المدعومة من إيران وبوابة سياسية للبلد".
كما تأتي في ظل توافق صنعته مشاورات الرياض وصولا إلى تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الذي أحدث تحولا محوريا في إدارة الشأن العسكري وتمكين المجلس الرئاسي لوزارة الدفاع من التحرك لإعادة ترتيب الوضع الداخلي للمحاور والجبهات بما يرفع الجاهزية لكل جبهة وساحة معركة مرتقبة مع المليشيات، وفقا للسياسي اليمني.
وكانت مليشيات الحوثي أعلنت، مساء السبت، عن رفضها الصريح لتمديد الهدنة الإنسانية الأممية التي بدأت في 2 أبريل/ نيسان الماضي وتنتهي في 2 أغسطس/ آب المقبل.
وزعمت مليشيات الحوثي في بيان صادر عن ما يسمى المجلس السياسي الأعلى أن "الهدنة الأممية مثلت تجربة صادمة ومخيبة للآمال ولا يمكن تكرارها في المستقبل".
ودخلت الهدنة الإنسانية حيز التنفيذ في 2 أبريل الماضي وتم تجديدها في 2 يونيو/حزيران الماضي شهرين إضافيين، حيث استوفت الحكومة اليمنية والتحالف العربي تنفيذ بنودها الإنسانية بما فيها وقف العمليات العسكرية وذلك رغم تصاعد خروقات مليشيات الحوثي المتتالية.