على صعيد عرفات الطاهر كل عام تتجسد أبلغ مظاهر المساواة وأعمق معانيها التي جاء بها الإسلام ثورة عارمة تلغي كل رذائل العنصرية والامتيازات الطبقية الجاهلية.
يوم عرفة، يحتشد كل الناس ، الرئيس والمرؤوس والكبير والصغير والغني والفقير على لباس واحد متطابق.
حتى الرؤوس حاسرة تجدد الاعتراف بأن البشر سواء لا فضل لأحد على أحد.
إنهم ينبذون جاهلية قريش وسفاهاتها وامتيازاتها وتقديسها للأصنام.
قريش التي كانت تحتفظ لها في عرفات بمكان خاص تتميز به يوم عرفات وتفيض منه نحو مزدلفة، جاء الاسلام لينسف خرافتها وكهنوتها وعنصريتها بآية في كتاب الله :
((ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ ))
حمل الاسلام في جوهره ومبناه ثورة على كهنوت قريش وعنصريتها النتنة،
فيما لازال بعض السفهاء يعتقدون أن الاسلام جاء ليكرس العنصرية القرشية والجاهلية الرعناء ليعطي بني هاشم امتيازات دون غيرهم من البشر لمجرد قرابتهم من رسول الله !!.
هذه الاوهام والظنون الفاسدة ليست الا رواسب كريهة من الجاهلية الاولى لم تتطهر من درنها بعض النفوس.
قرر الاسلام بنصوص الكتاب العزيز أن ليس هناك امتياز لأحد او خصوصية أو فضل او امتياز الا لشخص حامل الرسالة محمد صلوات الله وسلامه عليه، ولزوجاته خصوصية القرب منه والارتباط بالنبي فجعلهن أمهات للمؤمنين يحرم حتى زواجهن بعده، أما غيره فلا فضل ولا امتياز لعلي ولا لفاطمة ولا لعثمان ولا لحسان ولا لأحد أبدا.
هذا ما يقوله كتاب الله :
(ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ
وَأَزْوَٰجُهُۥٓ أُمَّهَٰتُهُمْ
وَأُوْلُواْ ٱلْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍۢ فِى كِتَٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَٰجِرِينَ)
أولوا الارحام هم زوجتك وأولادك وأهلك، هذه الآية الصريحة تقول لكل مؤمن أن زوجته وولده أولى من علي بن أبي طالب وأبو بكر الصديق وأهم من كل المؤمنين والمهاجرين ..
بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عادت رواسب الجاهلية تتشكل في نفوس البعض بستار الاسلام، فزعمت أن الاسلام جاء ليكرس عنصرية جديدة وجاهلية أقبح من سابقتها ويمنح بني العباس وأبي طالب ما عجزوا عن نيله بالكفاح البشري وبذل الاسباب وكسب قلوب الناس.
لا والله ما كان ذاك دين الله ولن يكون.
قبل وفاة النبي صلوات الله عليه بأشهر، حج النبي إلى مكة، وكان يشعر بدنو أجله وقرب رحيله.
في صعيد عرفات وقف النبي خطيبا في الحجيج مودعا أمته ومختتما رسالته ودعوته بخطبة بليغة عظيمة اشتهرت باسم (خطبة الوداع).
كان النبي يستشرف هوى النفوس ورغبات الطمع التي تنتظر رحيله فخاطب بني هاشم على رؤوس الاشهاد ..
مما قاله في خطبة الوداع:
أَيُّهَا النَّاسُ:
اسْمَعُوا قَوْلِي، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا بِهَذَا الْمَوْقِفِ أَبَدًا.
أَيُّهَا النَّاسُ:
وَإِنَّ كُلَّ رِبًا مَوْضُوعٌ،
، قَضَى اللَّهُ أَنَّهُ لَا رِبَا.
وَإِنَّ رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ.
وَأَنَّ كُلَّ دَمٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ.
وَإِنَّ أَوَّلَ دِمَائِكُمْ أَضَعُ دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي لَيْثٍ، فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ فَهُوَ أَوَّلُ مَا أَبْدَأُ بِهِ مِنْ دِمَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ.
صلوات الله عليك يا نبينا الكريم..
تشكو امتك اليوم وتتوجع بشدة من ربا عباس وربا علي ودماء الحارث ودماء حسين وغيرها من أدران الجاهلية الاولى التي عادت للتسلل باسم الاسلام ..
وإننا لنعلم أنه ربا موضوع كله.
وجاهلية موضوعة كلها.
وسنناهضها حتى تسقط بحول الله.