لم يسبق الرئيس جو بايدن أي رئيس أميركي في وضع اليمن ضمن أعلى أولويات إدارته، وخلال الشهر المقبل يكون العام الأول قد شارف على الانتهاء، منذ الخطاب الذي ألقاه في وزارة الخارجية في 4 فبراير (شباط) الماضي، الذي عبر فيه عن عزمه على وضع نهاية للحرب في اليمن، متخذاً جملة من التوجهات الدبلوماسية والسياسية، بما في ذلك تعيين مبعوث خاص وإلغاء قرار الإدارة السابقة، باعتبار الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية.
خطاب النوايا لنهاية الحرب اليمنية اشتمل على مكونات إشكالية، ونقل رسائل مشتبكة، حيث انطلقت الإدارة الجديدة في أيامها الأولى من فرضية الانفتاح على إيران، وكمحصلة لذلك استدراج الحوثيين للتعاطي مع مبادرات إدارة أميركية أقل عدائية لإيران، فكانت هذه أولى الرسائل المتناقضة لإدارة بايدن، وتبعتها إخفاقات للدبلوماسية الأميركية في مفاوضات فيينا وتشبث إيران وأذرعها الحوثية بوهم النصر المؤزر في مأرب، وتحقيق تفوق استراتيجي يعزز موقعها في الإقليم والعالم.
ومنذ ذلك الخطاب شهدت الدبلوماسية الأميركية مراجعة لمقاربتها لديناميكية إنهاء الحرب في اليمن. ففي الأشهر الأولى من العام الذي ينقضي، لم يكن النجاح حليف الجهود التي بذلها المبعوث الأميركي في دعم خطة السلام، التي تقدم بها المبعوث الدولي السابق مارتن غريفثس لوقف الحرب والدخول في مفاوضات الحل النهائي.
وبادرت السعودية بطرح خطتها للسلام على لسان وزير الخارجية في مارس (آذار) الماضي، التي تتفق مع مشروع "الإعلان المشترك"، الذي قدمته الأمم المتحدة، فيما سعى الجميع للجوء إلى وساطة عمانية لقبول الحوثيين بالمبادرات السلمية، إلا أن رفضهم كان قاطعاً، وأُسدل بذلك الستار على جهود سلمية استمرت عامين، وبدا وكأن التصعيد العسكري بات سيد الموقف.
انطلقت قراءة الحوثيين، ومن ورائهم إيران، للمشهد العام من فرضية أنهم في وضع المنتصر، وأنهم قاب قوسين أو أدنى من تحقيق نصر استراتيجي في مأرب، وأن التحالف وصل إلى طريق مسدود، وهو يسعى لإنهاء الحرب بشتى الوسائل، وأن شركاء التحالف على الأرض وأقصد هنا الحكومة الشرعية وكل القوى المتواجدة في المناطق المحررة، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي وحراس الجمهورية، سيدخلون في دورة عنف وتصفيات دموية.
وإضافة إلى الرسائل المتناقضة من الإدارة والكونغرس، زاد من تضخيم صورة اقتراب النصر لدى إيران وأتباعها في المنطقة ومنهم الميليشيات الحوثية، انتصار "طالبان" في أفغانستان، والانسحاب العسكري الأميركي الكارثي، وهروب حكومة الدمى من كابول.
ومن جانب آخر وجد المفاوض الأميركي تصلباً إيرانياً في مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي، بخاصة مع وصول رئيس متطرف مثل إبراهيم رئيسي إلى الرئاسة الإيرانية، وإصراره على تشابك الملفات كأوراق ضغط، وزيادة دعم الميليشيات الحوثية من خلال تهريب مزيد من الصواريخ والمسيرات ورفدهم بمزيد من خبراء "حزب الله" والحرس الثوري، ووصلت الحال بقيادات عسكرية في فيلق القدس إلى التلويح بزيادة إشراك الميليشيات التابعة لها في العراق ولبنان في حرب اليمن.
ومع مرور الوقت تبين للدبلوماسية الأميركية أن الحل في اليمن يقف دونه شطط حوثي مغالى فيه، مبني على إصرار إيراني على استخدام أتباعها في اليمن والمنطقة كأوراق تفاوضية. والمتتبع للبيانات الصادرة عن المبعوث الأميركي خلال الفترة الماضية يستشف مقاربة أميركية أكثر واقعية في الملف اليمني، مع التمسك بهدف إنهاء النزاع في اليمن، وباتت واشنطن اليوم تدرك حجم التداخلات والتعقيدات في الملف اليمني، ومن هنا بتقديري تأتي إعادة تفسير توجهات خطة الرئيس آنفة الذكر لـ"إنهاء الدعم للعمليات الهجومية في اليمن" عبر تأكيد مشروعية دفاع المملكة عن نفسها من هجمات الصواريخ والمسيرات الحوثية، الأمر الذي أسهم في إتمام مبيعات الأسلحة للمملكة في سبتمبر (أيلول) الماضي بقيمة 500 مليون دولار، لتأكيد الشراكة الاستراتيجية السعودية الأميركية.
وفي السياق نفسه، تتركز هذه الأيام الجهود الأميركية والدولية بالتنسيق مع السعودية لإصلاح أداء الحكومة الشرعية ومعالجة تداعيات انهيار الاقتصاد والعملة وزيادة أسعار السلع الأساسية التي تزيد من تعميق أكبر أزمة إنسانية في العالم. كما تقود المملكة جهود استكمال تنفيذ اتفاق الرياض، بما في ذلك استيعاب حراس الجمهورية ضمن الأجهزة الحكومية، لتوحيد صفوف كل القوى الوطنية المناهضة للانقلاب الحوثي.
ومع مرور الأيام يتبخر حلم القيادات الحوثية، لتحقيق نصر استراتيجي في مأرب، كما يتواصل المجهود الجوي للتحالف في إسناد المقاومة الأسطورية في مأرب من جهة، ومن جهة أخرى، في استهداف مخزون القدرات الصاروخية والطائرات المسيرة عبر تفوق استخباري تقني وبشري متطور، وشل قدرة الميليشيات الحوثية على استهداف الأعيان المدنية في السعودية.