لم تكن ضربات تحالف دعم الشرعية في اليمن التي استهدفت معسكر دار الرئاسة بصنعاء مساء الأربعاء، مجرد عملية عسكرية موجعة للحوثيين وحسب، بل حملت بين السطور ما يجدر تأمله. لأنها، بحسب المطلعين على سير المعارك، أربكت الجماعة الانقلابية.
ضربة المعسكر كشفت عن قدرة التحالف على المراقبة المكثفة للمواقع التي سبق له تدميرها، فالحوثيون يحاولون بث إشاعات تتهم التحالف بأنه يضرب لمجرد الضرب، بينما تعمل الجماعة المدعومة من إيران على إعادة تأهيل بعض المواقع، سواء للتمويه أو لاستخدامها بالفعل لأغراض عسكرية.
منذ يوم الاثنين 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، حين أعلن التحالف أن قوات الساحل نفذت عملية إعادة انتشار، أخذت ملامح استراتيجية جديدة تلوح في المشهد العسكري اليمني. أبرز ما لاحظته مصادر عسكرية يمنية هو «الأدوات الجديدة» للاستراتيجية، واكتفت بالقول إنها «ستكون مفاجئة»، واستشهدت المصادر، التي فضلت حجب اسمها، بعملية جرت من دون أن يسمع أهالي صنعاء صوت تحليق المقاتلات.
وترجح المصادر ذاتها وجود أسلحة أخرى لم تعلن عنها أو حتى تلمح عن ماهيتها، لكنها متأكدة من أن العمليات «لن تقتصر خلال المرحلة المقبلة على الضربات الجوية وحدها، إذا ما استمرت الميليشيات في التعنت والتمسك بالتصعيد العسكري» في الوقت الذي ما زالت فيه الفرص السياسية ومبادرات وقف النار أقل ضرراً على الجماعة.
خلال الأيام الماضية، انضمت كتيبة «أم الشهداء» إلى مأرب، وتقول المعلومات، إن ألوية جرى تدريبها ودعمها لوجيستياً من التحالف وضمن إطار تحديث هيكلي بوزارة الدفاع اليمنية، سوف تنضم هي الأخرى إلى مختلف المواقع على الأرض. تحركت القوات في الساحل وباتت قريبة من محافظتي إب وتعز، ولم تستوعب الميليشيات الحوثية هذا التغير الذي كشف عن جانب من تهالك تنظيم الحوثيين في الميدان.
يقول البراء شيبان، المحلل السياسي وعضو مؤتمر الحوار الوطني اليمني، لـ«الشرق الأوسط»، إن «تغيير الاستراتيجية الدفاعية أدى بشكل واضح إلى خسائر متلاحقة وانهيارات سريعة في صفوف الحوثيين… أعتقد أن الأيام المقبلة ستشهد المزيد من الانهيارات رغم أن الحوثيين كانوا في حالة تقدم ببعض المديريات جنوب مأرب، لكن تراجعهم بات أسرع»، لافتاً إلى «خلق الاستراتيجية الجديدة نوعاً من الالتفاف الشعبي والوطني حول القيادة اليمنية وحول المعارك التي تجري الآن ضد الحوثيين».
وبسؤاله عن الرد المتوقع من الميليشيات، قال المحلل السياسي اليمني «سيحاولون التصعيد ضد المملكة، وسيحاولون التشبث بزمام المبادرة الهجومية في محافظة مأرب، وأعتقد أنهم سيحاولون أيضاً الضغط على المجتمعات المحلية لتجنيد عدد أكبر من المقاتلين للزج بمعاركهم الخاسرة… ولكن واضح أن ثمار الاستراتيجية جاءت سريعة، والتراجعات التي مُني بها الحوثيون واضحة وإذا استمرت فسوف تزيد من تشتتهم».
ويبدو من خلال متابعة المتغيرات أن التحالف أخذ في الحسبان مسألة الاعتداء على المناطق المدنية السعودية بالمسيرات المفخخة والصواريخ الباليستية، وحدّث طريقة الاستجابة التي باتت شبه فورية، عبر عمليات تحدد أهدافاً ثمينة استباقياً، وتراقب المتورطين بالاعتداءات الإرهابية الذين تعهد التحالف محاسبتهم، ويبدو أنه مقدِم على ما هو أكبر من المراقبة إذا ما استمروا بالتصعيد خلال الفترة المقبلة، وسيكون المتورطون أهدافاً مشروعة.
وفي تعليق على زاوية سياسية متصلة، يعتقد شيبان، أن «تغير الاستراتيجية الدفاعية يؤكد أن استراتيجية المجتمع الدولي مع الحوثيين فشلت فشلاً ذريعاً، وأن سياسة استمالة الحوثيين ومحاولة كسب رضاهم أدت إلى نتائج عكسية ولا تصب لا في مصلحة الشعب اليمني ولا دول جوار اليمن ولا الولايات المتحدة نفسها (التي قادت جهود الزخم الدبلوماسي منذ مطلع العام)، ويطالب الإدارة الأميركية بالاستماع إلى حلفائها اليمنيين والإقليميين فيما يتعلق بالأمن الإقليمي والدولي».