منذ وصوله المفاجئ إلى العاصمة المؤقتة عدن 7 نوفمبر 2021، نفذ المبعوث الأممي إلى اليمن، هانز غروندبرج، جولة واسعة في الداخل اليمني، شملت زيارة قصر "المعاشيق" مقر الحكومة الشرعية اليمنية في عدن، للقاء رئيس الوزراء الدكتور معين عبدالملك، وأنطلق تالياً إلى محافظة تعز لعقد عدة اجتماعات مع السلطات المحلية والعسكرية، وانتقل يوم الاربعاء 10 نوفمبر إلى الساحل الغربي للاجتماع مع العميد طارق صالح، وسلطات مديرية المخا التي تعرضت لقصف صاروخي "بالستي" اطلقتها الميليشيات الحوثية أثناء استقبال هانز.
والواضح ان تحركات المبعوث "هانز" تزامنت مع الحراك السياسي الملفت الذي شهدته مناطق الساحل الغربي وجنوب ووسط اليمن خلال الايام الفائتة، والهادفة للتوفيق بين الحلفاء المتخاصمين، الشرعية اليمنية ممثلة بالسلطات المحلية والمحور العسكري في محافظة تعز المقربة من حزب الاصلاح ونائب الرئيس الجنرال علي محسن الأحمر، ومن ناحية اخرى المكتب السياسي للمقاومة الوطنية "حراس الجمهورية" التي يقودها العميد طارق صالح، المتمركزة في المناطق الواقعة على ضفاف البحر الاحمر بمحافظتي الحديدة وتعز.
وتهدف كذلك إلى بناء تفاهمات واسعة تكبح الصراعات الجانبية وإنهاء التوترات السابقة لتوحيد الصف الجمهوري، ورفع وتيرة الاعمال العسكرية والتحركات الميدانية في مواجهة الميليشيات الحوثية.
وبحسب المعطيات فان جهود التقارب بين الاطراف المحلية جاءت مواكبة لاشتداد هجمات الحوثيين على محافظة مأرب شرق اليمن. ومدفوعة بالوساطة والاتصالات عبر القنوات الخلفية التي قادتها المملكة العربية السعودية بين حلفائها اليمنيين منذ مطلع العام الجاري،
وقد اثمرت تقدماً ملحوظاً في جمع شتات تلك الاطراف حول الفكرة وتبادل المواقف والتصريحات الإيجابية، وايضاً بإقرار العميد طارق صالح استعداده للعمل في صف الشرعية اليمنية، التي قوبلت بإشادة رئيس الحكومة الدكتور معين عبدالملك، وترحيب المجلس الانتقالي الجنوبي، وانفتاح سلطات محافظة تعز ومحورها العسكري على تلك الدعوات.
هانز متكئاً على الحراك السياسي بين عدن وتعز والساحل الغربي يكشف توقيت زيارة المبعوث "هانز" المفاجئة، والسياق الذي واكبها عن رغبته في استثمار الحراك السياسي الجاري، وتوظيفه للضغط على الميليشيات الحوثي التي لازالت رافضة الاستجابة للدعوات الأممية والدولية والاقليمية للانخراط في عملية السلام ووقف القتال، وإصرارها على الاستمرار في تصعيد هجماتها على محافظة مارب بما يترتب عليها من تكاليف إنسانية باهظة، وتكبيد المواطنين والنازحين في المحافظة مزيدا من العناء.
وهو ما أكده تصريح "هانز" بعد لقاء رئيس الوزراء ووزير الخارجية اليمني في عدن، في ان الزيارة تأتي لــــــ "استطلاع امكانية خفض التصعيد في اليمن واطلاع الحكومة على مناقشاته في المنطقة"، بالإضافة الى مشاركتها "مخاوفه بشأن تأثير العمليات العسكرية في مأرب على عملية السلام في اليمن".
وخلال زيارته الى تعز في 8 نوفمبر، ناقش "هانز" مع محافظ تعز نبيل شمسان ومعه وكلاء المحافظة، والقيادات العسكرية والأمنية، وممثلي الاحزاب السياسية والمجتمع المدني، الوضع الإنساني والسياسي والعسكري وطبيعية التحركات الجارية بين تعز ومكونات الساحل الغربي، بحسب وكالة الأنباء اليمنية "سبأ"، فأن "هانز" تحدث عن ان اليمن "يمر حالياً بمرحلة حساسة وعصيبة ربما تفرض متغيرات جديدة وبالتالي نحن (الأمم المتحدة)..
نحتاج الى جميع الاطراف العسكرية والأمنية والسياسية للعمل على حل مستدام وتركيزاً خاصاً على الاوضاع الاقتصادية التي تثير مخاوف اليمنيين". وتابع ان الاجتماعات والنقاشات "تهدف الى الوصول لتسوية سياسية جامعة وشاملة لإنهاء النزاع وآثاره التي تخلق تحديات كبيرة أمام تقديم الخدمات الاساسية، وذلك وفق ايجاد الحلول المستدامة لتعز واليمن ككل".
هل تتبدد مخاوف هانز من المفاجئات العسكرية.. "مأرب مقابل الحديدة"؟
تبدو الرسائل التي وجهها المبعوث الأممي خلال اللقاءات، واضحة وصريحة وتتمحور حول "تغليب العمل السياسي على حساب التصعيد العسكري المحتمل ان تشهده مناطق الساحل الغربي والريف الغربي لمحافظة تعز"، في حال استمرار الهجمات الحوثية على محافظة مارب. ولكن هذه الرسائل لم تجد إجابات تبدد مخاوف "هانز" وباتت تفرض نفسها أكثر بعد اللقاء الذي عقده في مدينة المخا بالساحل الغربي اليمني مع قائد المقاومة الوطنية رئيس مكتبها السياسي العميد الركن طارق صالح.
حيث تمسك الأخير بضرورة وقف الهجوم الحوثي على مأرب، وللاستمرار باتفاق ستوكهولم بما يمنع خروقات المليشيات، قائلاً: "إذا أراد العالم فعلا الوصول لحل سياسي في اليمن فإن البداية ستكون بوقف هجوم مليشيا الحوثي المدعومة إيرانيا على محافظة مأرب، وكما تدخل المجتمع الدولي لوقف العمليات العسكرية لتحرير مدينة الحديدة بحجة الكلفة الإنسانية، فإنه مطالب اليوم بموقف مماثل إزاء استمرار العدوان الحوثي على مأرب والذي يذهب ضحيته المدنيون الأبرياء".
وفيما يحاول المبعوث الأممي تسويق افكاره بالتركيز على العمل السياسي، تمسك العميد طارق صالح بمعادلة الحديدة مقابل مأرب، مشيراً خلال الاجتماع إلى "استمرار عرقلة مليشيا الحوثي لتنفيذ بنود اتفاق السويد، وخروقاتها المتواصلة لوقف إطلاق النار، وقصف التجمعات السكنية وزراعة الألغام والعبوات الناسفة التي ذهب ضحيتها مئات المدنيين الأبرياء".
مطالباً من المبعوث "إعادة النظر في آلية عمل بعثة الأمم المتحدة لدعم الاتفاق بحيث تضمن تنفيذه"، مشترطاً في ذات الوقت على وجوب ان يلعب "المجتمع الدولي دوراً لإثبات جدوى الاتفاقات التي يرعاها وتفعيل دوره كي يستمر التزام القوات المشتركة به".
وسياسياً أعاد رئيس المكتب السياسي الطلب والتأكيد على المبعوث الأممي بضرورة "إشراك كافة الأطراف السياسية في الحوار، باعتباره بوابة للسلام الحقيقي والدائم، فلا نريد في اليمن أن نكرر التجربة العراقية واللبنانية".
موضحاً أن "لا أحد يرغب باجتثاث الحوثي وإلغائه، ولكن المطلوب هو دولة مدنية ديمقراطية يحتكم فيها الجميع لصندوق الاقتراع، وإذا أراد عبدالملك الحوثي أن يصبح رئيسا لليمن فليأتِ عبر صندوق الاقتراع، أما ادعاء الحق الإلهي في الحكم والتسلط على رقاب اليمنيين باسم الله والدين، فإن هذا مرفوض من كل اليمنيين".
تطلعات اليمنيين تتجاهل مماحكات حميد الأحمر
وفي انتظار ثمار ومخرجات الجولة الأخيرة للمبعوث الأممي في مناطق الحكومة الشرعية، وما ستفرزه خلال الايام القادمة، والتي تضع تساؤلات حول قدرة "هانز" على إقناع الاطراف التي عقد معها اللقاءات والنقاشات، بالتمسك بوعود الحراك السياسي في مواجهة التصعيد الحوثي عسكرياً على مأرب.
وكذلك استعداد تلك الاطراف المحلية للمضي والانخراط في المسار "الهانزي"، والتخلي عن معادلتها التي حاولت فرضها خلال الفترة المنصرمة عبر التفاهمات الجزئية ورفع وتيرة الاعمال على الارض في محافظة تعز ومناطق الساحل الغربي. وفي المقابل، ولكن في سياق أخر يتضح ان هذه التطورات والتفاهمات، انتجت مخاوف ومواقف مناوئة من ميليشيات الحوثي التي حاولت قصف مدينة تعز وميناء المخا اثناء وبعد زيارة المبعوث الأممي بصواريخها البالستية، لعرقلة الجهود وتعبيراً عن قلقها من ان تتوج التحركات بمباركة الخارج، وتتمكن الاطراف من التوصل الى تسوية جزئية يترتب عليها تغيير معادلة الصراع لمصلحة الحلفاء الشرعيين.
والى جانب الحوثيين هناك كتلة سياسية وعسكرية مقربة من دولتي تركيا وقطر، لم يرقها هذا الحراك السياسي الدائر بمنأى عنهم، وفي هذا السياق كتب الشيخ القبلي والبرلماني عن حزب الإصلاح، حميد الاحمر، المقيم في اسطنبول على صفحته في "فيس بوك" رسالة وجهها للعميد طارق صالح، تضمنت انتقادات لا تخلو من عبارات تجريح واتهامات سلبية تهدف لإرباك التفاهمات الجارية بين الساحل الغربي وسلطات الشرعية في تعز، مشككاً بجدوى التصريحات الإيجابية لطارق والتي اكد فيها انه سيعمل بجانب الحكومة الشرعية ومع أي جهد لتحرير اليمن من قبضة المليشيا الانقلابية.
وقال الاحمر: "إني إذ أقدر لك (طارق) هذه الخطوة لكن المطلوب منك تحريك الجبهات في محافظات الشمال اليمني وتحرير صنعاء"، والاحمر يدرك انه يصعب على المقاومة الوطنية التحرك والتصعيد العسكري في محافظات تعز والحديدة وعموم الشمال اليمني دون التنسيق وحصوله على غطاء من السلطات السياسية والعسكرية للشرعية اليمنية في تلك المناطق التي يسيطر عليها حزب "التجمع اليمني للإصلاح والجنرال علي محسن الاحمر".
وفي العادة كانت مثل هذه المماحكات، تخلق جدل واصطفاف بين معسكرين متمايزين، الأول موالي للشرعية في مواجهة الثاني الموالي للعميد طارق صالح. غير أنها في هذه المرة أتت بنتائج عكسية وغير متوقعة بالنسبة لمن يقفون خلفها، إذ حظيت رسالة الأحمر، بنقد لاذع، و قوبلت بكثير من التهكم والسخرية والاتهامات بعرقلة مسار التفاهمات الجارية لتوحيد الصف الجمهوري سياسياً وعسكرياً في مواجهة ميليشيات الحوثي، والتي بادر الى توجيهها الرأي العام في الداخل اليمني..
ابتداء من الإعلاميين والصحفيين والناشطين السياسيين وحتى المواطن العادي، ومختلف البيئات المحلية الرافضة للانقلاب الحوثي. بينما حصدت جهود التهدئة مباركة ذلك الرأي العام، والتي تكشف تعلقه ببصيص أمل ينتشل الشرعية اليمنية من الانتكاسات التي تعانيها، ويخلق زخم جديد، يكبح تصعيد ميليشيات الحوثي في محافظة مأرب.
إذا كنت تريد لطارق أن يحارب فابدأ أنت
لعل نوعية المضامين والتفاعلات التي تعاطت مع رسالة الاحمر، تؤكد التطلعات اليمنية، حيث انتقدت وبشدة الرسالة وتوقيتها باستهداف التفاهمات والتهدئة، والتسبب بعودة التوترات، في خدمة لن يستفيد منها غير ميليشيات الحوثي.
ومن أبرز الردود ما كتبه الصحفي غمدان اليوسفي، الذي قال انه حين: "تقرأ رسالة حميد الأحمر تجد نفسك أمام غرابة لا يمكن وصفها، حميد الذي ترك مأرب والبلاد وذهب ليستثمر أمواله التي جناها بفعل سلطة والده خارج البلاد، يتحدث وكأنه يمول الجيش الوطني في مارب، بينما يجعل طاقم قناته يشحتون رواتبهم شحاتة".
وتسأل اليوسفي، "ماذا قدمت أنت لمارب أو لليمن يا شيخ حميد؟ سيقول البعض هذا دفاعا عن طارق صالح.. لكن طارق لديه فريقه الذي يدافع به عن نفسه، وفي النهاية مازال في الميدان، ولا أعذره بالطبع لكونه قادر على فعل شيء بينما لا أراه سوى واقف يترقب، الواقع يقول إذا كنت تريد لطارق أن يحارب فابدأ أنت، حارب بأموالك وأخرج زكاة خذلانك".
أما الشاعر عامر السعيدي، فقد تحدث من محافظة مارب، من بين المعارك والصواريخ الحوثية، عن ان "رسالة حميد، تثير القرف، فقد كان يمكن تقبلها لو كان أسس ولو كتيبة عسكرية وهو الذي يملك إمكانيات تأهله لتأسيس جيش قادر على تحرير اليمن كله بواحد في المية من ثروته المشبوهة". فيما يذهب الصحفي الجنوبي، رئيس تحرير صحيفة اليوم الثامن، صالح ابو عوذل، للتحدث "نيابة عن العميد طارق عفاش، ادعو حميد الأحمر إلى ترك استثماراته والعودة إلى صنعاء لمحاربة الحوثيين، اما انه يوجه الناس ويخيرهم بين من يقاتل ومن لا يقاتل، فهذا مش من اختصاصه".
العرادة يستبق محاولات إرباك التفاهمات ويدفع نحو تقارب الحلفاء المتخاصمين
لا تتوقف السخرية والتهكم عند هذا المستوى، حيث كتب الناشط عبدالوهاب بحيبح "مع احترامي للشيخ حميد الأحمر لكن أين دوره في المعركة وبأي صفة يخاطب طارق وفي أي جبهة يتمترس!! واما بالنسبة لطارق صالح متواجد بالميدان ويقف على ثغرة داخل اليمن ولذلك نحترمه، واظن بأن خطاب العرادة كافي وهو المعني بالدعوة الى وحدة الصف فالميدان له رجاله أيضا".
وفي هذا السياق، ولكن بوقت سابق لرسالة الاحمر، بعث محافظ مارب الشيخ سلطان العرادة، عدة رسائل إيجابية عبر خطاب تلفزيوني، معبراً عن مستوى التقاربات "نحن على تواصل مع كل الأشقاء في التحالف الغربي"، مشيداً بدور "المملكة العربية السعودية ودولة الامارات،"، مؤكداً تواصله "مع كل الأخوة اليمنيين على كل المستويات، والله لو لم تكن عندي معركة في مأرب فسأذهب لأقاتل مع طارق صالح في الساحل الغربي، ولولا أنه على ثغرة لقلت له تعال إلى عندي، لكن أخشى من ثغرة للحوثي على عدن".
تطلعات اليمنيون أم مسار "هانز:
وفي عموم الصورة هناك الكثير من الانتقادات التي تلقى بها اليمنيون رساله حميد الاحمر، والأكيد أنها ليست حباً في طارق صالح، ولكن إدراكاً لخطورة المرحلة التي تمر بها اليمن، ورغبه منهم في توحيد الصف الجمهوري، والذي لن يتحقق إلا بتجاوز خلافات الماضي القريب والبعيد.
وخلال هذه التغطية والتحليل تعمدنا، تجنب ذكر كل من كتب معلقاً وهو يعمل أو موالي لقوات طارق صالح، حتى ننقل التوجهات السائدة في الداخل اليمني والرهانات التي يعلقونها على جهود الجهود السياسية والعسكرية في مواجهة الميلشيات لإسناد قوات الشرعية في معركة مارب.
وفي الاخير تتخلق من كل التطورات الجارية مجموعة تساؤلات؛ هل ستكون أطراف التفاهمات والعمل السياسي، ابتداء من الرئيس هادي مروراً بطارق صالح وحزب الاصلاح والجنرال علي محسن الاحمر، بحجم المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم؟ وهل سيستجيبون لتطلعات الشارع اليمني والنداءات الصريحة المباشرة وغير المباشرة؟ وهل ستثمر التفاهمات تحريك بوصلة التصعيد العسكري في مواجهة ميليشيات الحوثي في تعز والساحل الغربي؟.
السعودية والشرعية وقوات الساحل الغربي والانتقالي الجنوبي، المعنيون بالإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، أما غيركم مثل ميليشيات الحوثي والجناح الموالي لتركيا وقطر في تعز والشرعية، الذي عبر عن توجهاتهم الصواريخ البالستية على عدن وتعز والمخا، وتصريحات حميد الاحمر وحمود المخلافي، لن يتوقفوا عن محاولات افشال التفاهمات واللعب على المتناقضات وارباك المشهد، بالقول والعمل إعلامياً وسياسياً وعسكرياً وأمنياً.
*الرصيف برس