أصبح شاب يمني من محافظة البيضاء بوسط اليمن، يملك شركة إنترنت في قلب مدينة بكين، بعد أن أسس الشركة مع صاحبه الصيني قبل عامين.
أحمد الصيادي، 29 سنة، يرأس فريقا من المهندسين لـ "تعلم وبرمجة الآلة".
يقول الصينيون : " إن سن الثلاثين هي سن تأسيس القاعدة للحياة المهنية"، ويبدو أن هذا ما فعله أحمد الصيادي تماما بعد أن بدأ الاستعداد مبكرا .
-- اطلبوا العلم ولو في الصين
من الخدمات التي تقدمها شركة الصيادي اقتراحات لسيناريوهات الأفلام قبل تصويرها، كما تمتاز في توقع وضع مبيعات شباك التذاكر للأفلام قبل عرضها بدقة تتجاوز 65بالمائة، وذلك بالاعتماد على البيانات الكبيرة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي .
حول هذا يقول الصيادي إن صناعة السينما في اليمن ليست موجودة، وبالتالي فإن عمله يبدو غريبا إلى حد كبير في نظر أهل بلده، إلا أنه في حقيقة الأمر، يعمل في أمر يسعى وراءه كثير من الشباب الصينيين الناشطين والشجعان في الوقت الراهن، ألا وهو ريادة الأعمال.
إن التطورات السريعة التي تشهدها سوق الإنترنت في الصين خلال السنوات الأخيرة قد أسهمت كثيرا في تسهيل أعمال ريادة الأعمال كما خفضت من تكاليفها بشكل كبير، اذ أصبح مجال ريادة الأعمال عملا يلقى رواجا في أوساط الشباب.
التحق أحمد بجامعة الصين للعلوم والتكنلوجيا واختص في علوم الكمبيوتر وتقنياته بموجب منحة مقدمة من حكومة الصين ومساعدة ماليه من حكومة اليمن بعد انتهائه من الدراسة الثانوية عام 2005، وبعد تخرجه واصل دراسته لدرجة الماجستير في جامعة تشينغهوا، أفضل الجامعات الصينيية، ليدرس في علوم الإنترنت المستقبلية.
ورغم أن فرصة إكمال دراسته للحصول على درجة الدكتوراه في الولايات المتحدة، فضلا عن فرص العمل التي ستتاح له في عدة شركات كبيرة متخصصة في مجال تكنولوجيا المعلومات مثل هواوي وبايدو، إلا أن الصيادي رفض ذلك كله وأصر على شق طريقه الخاص وبدء حياته العملية في الصين بالاعتماد على قدراته وإمكانياته التي اكتسبها بعد الدراسة في البلاد لثمان سنين.
وبدأت ملامح حلمه بالتبلور بعد تعرفه على شريكه الصيني الحالي ليي مينغ، ليبدأا معا العمل بكل جد واجتهاد، وأسس الشركة قبل عامين.
يقول أحمد إن بيئة ريادة الأعمال في بكين جيدة وناضجة اذ من السهل العثور على رواد الأعمال والأكفياء منهم بفضل السياسات التفضيلية المشجعة على ريادة الأعمال للشباب، ويضيف: "قد لا تجد في مكان آخر جوا مبدعا كالموجود في بكين إلا في وادي السيليكون الأمريكي."
ودشنت شركة أحمد في الأيام الماضية منتجا جديدا يستهدف عددا كبيرا من الشركات الصغيرة والمتوسطة في الصين، من شأنه أن يساعد هذه الشركات على اختيار أنسب نجم ليروج علاماتها التجارية، وتم الاختيار والقرار عن طريق التحليل الذكي للبيانات الكبيرة.
لم يجد أحمد خصوما كثر لشركته بسبب ريادتها في مجال التكنولوجيا .
يعتبر أحمد ريادة الأعمال تشبه الزهد، لأنك لن تنجح إلا بالصبر والمواظبة بإصرار لمواجهة الصعوبات غير المتوقعة، فقد كاد يفشل قبل سنة عندما لم يتمكن من الحصول على استثمار مالي لدفع رواتب الموظفين، بيد أنه تجاوز تلك المحنة متسلحا بمبدأ : "إن مع العسر يسر".
يقول: " أشعر بسعادة غامرة عندما أرى تزايد حالات النجاح للشباب من جيلي في الصين، بالنسبة إلي؛ لقد بدأت قبل قليل، وما زال أمامي طريق طويل."
-- الحياة المستقبلية مع الإنترنت
في خضم فترة الركود الاقتصادية العالمية، أطلقت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، عدة برامج وطنية في العام الجاري لتنشيط تنميتها الاقتصادية من خلال استغلال الشبكة العنكبوتية، بما فيها برنامج "الإنترنت +"، ما يدعو إلى الدمج الأعمق للصناعات التقليدية مع الإنترنت لتفتح آفاقا جديدة ونموا مستمرا.
ويفهم أحمد تلك الفكرة جيدا ويعتقد أنها مفتاح لمرحلة ثانية لازدهار اقتصاد الصين، اذ أنها تُمكن الصناعة التقليدية من حل مشاكلها بمساعدة الإنترنت ، وهذا بلا شك سيشجع على تطور صناعة الشبكة في الصين على الجانب الآخر.
وفي معرض حديثه، تطرق أحمد إلى الحياة في المدن الصينية التي لا تستغني عن التسوق الالكتروني والدفع الالكتروني والاقتصاد المشترك المتمثل في حجز سيارات الأجرة على الإنترنت مثلا، الأمر الذي يصعب تخيله في عدد كبير من الدول في العالم، مشيرا إلى أهمية الإنترنت بالنسبة لحياة الصينيين بشكل يتجاوز ما هو عليه الحال في أغلبية الدول المتطورة في العالم أيضا.
حول ذلك يقول: "أحيانا؛ أشعر وكأني أعيش في المستقبل هنا."
وتدل البيانات الصادرة عن جمعية الإنترنت الصينية على كلامه، اذ تعدى حجم اقتصاد الإنترنت في الصين تريليون يوان ليصل إلى 1.12تريليون يوان (حوالي 168.8مليار دولار أمريكي) في العام الماضي، ما يرمز إلى توسع مساهمة الإنترنت في اقتصاد البلاد.
وفي السياق نفسه؛ يرى فنغ في، نائب وزير الصناعة والمعلومات أن الصين تشهد إصلاحا صناعيا جوهره الصناعة الذكية في الوقت الحالي، ما يفتح فرصا كثيرة وفضاء رحبا للشركات الصغيرة والمتوسطة.
وفي هذا السياق، قال ليي مينغ، شريك أحمد الصيني، إن سوق الإنترنت في الصين ستستقبل مزيدا من رواد الأعمال الأجانب مثل أحمد الصيادي نظرا لنشاطتها ووفرة الاستثمارات والأكفياء.
بالعودة إلى أحمد، قال إن قيمة شركته في السوق تربو على مائة مليون يوان (حوالي 15.08مليون دولار أمريكي) وقد نجحت في تمويل نحو عشرة ملايين يوان خلال الفترة الأخيرة، مشيرا إلى حرصه على هذه البيئة التمويلية لشركات الرواد.
-- زراعة النمط الصيني في الشرق الأوسط
ويتواصل أحمد مع عائلته في اليمن عبر أدوات التواصل الاجتماعي على الشبكة أحيانا، كما يتواصل مع بعض رواد أعمال الإنترنت من الشباب في اليمن من أجل تبادل الخبرات ودفع عجلة ريادة الأعمال في التقنية والتشجيع عليها هناك في اليمن، ويضيف :" كما أحب موطني الثاني الصين الذي تعلمت واخدم فيه ، فأنا احب وطني الاول اليمن ويبقى قلبي مرتبطا به."
وجد أحمد نماذج كثيرة لقدرة الإنترنت على حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وتحسين جودة حياة الناس خلال السنوات العشر في الصين، ما أعجبه كثيرا وأثبت نيته لنقل النمط الصيني والخبرات الصينية إلى أراضي الشرق الأوسط لكي يساعد المنطقة على حل مشاكلها الخاصة أيضا.
يقول: "فحبي لوطني العربي ولليمنيين بشكل خاص كبير جدا، هذا الحب سيترجم مستقبلا على شكل خدمة له بطريقة او بأخرى." ويضيف وهو يؤكد أنه أخذ وظل يأخذ موقف الطالب خلال بقائه في الصين لكي يدرس التقنية والخبرات ويرجع الى الوطن العربي لينشئ بيئة الإنترنت الخاصة في منطقة الشرق الأوسط.
وقد لاحظ أن شركة علي بابا للحوسبة السحابية تخط في الاستثمار في دبي لكي تدخل سوق الشرق الأوسط، وهو ما يعتقد أحمد بأنه سيسد فراغا في سوق المنطقة بسرعة.
وفيما يتابع استثمارات شركات الإنترنت الصينية في الشرق الأوسط بشكل خاص، يتوقع أحمد توجه مزيد من التمويل للمنطقة خلال السنوات القادمة في إطار دعوة الصين "الطريق والحزام" التي تسعى وراء تعزيز التعاون الثنائية أو متعددة الأطراف بين الصين والدول المتضمنة لتحقيق التنمية المشتركة والمنفعة المتبادلة.
وعلى الرغم من ضعف البنية الأساسية في عدد من دول الشرق الأوسط، يعتقد أحمد بكل ايجابية أن الضعف قد يتحول إلى فرص أكبر في حينه، ويؤكد :"هنا تكمن فرص رواد الاعمال مثلي ، وستُحل هذه المسائل آجلا أم عاجلا."
ويتوقع أحمد أن سوق الإنترنت في الشرق الأوسط ستكون واعدة جدا في المستقبل، ومن ناحية ثانية ستجلب الإنترنت مستقبلا للمنطقة.
ويختم قائلا :"أعتقد أن هذا المستقبل سيأتي خلال 10سنوات إلى حد كبير، وعليّ أن أستعد لذلك منذ الآن".
ويضيف بأنه يخطط لمواصلة أعماله وتجاربه في الصين لعدة سنوات أخرى قبل العودة للوطن العربي.
*شينخوا