يسود الغموض معركة مأرب (شمال شرق اليمن) بين قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا المسنودة بمقاتلات التحالف العربي وميليشيا الحوثي الانقلابية التي تجددت بشكل عنيف في 7 فبراير الماضي. وأطلقت ميليشيا الحوثي الانقلابية سلسلة هجمات مطلع فبراير الماضي على مواقع القوات الحكومية في الجبهات الغربية وتحديدا جبهتي المشجح والكسارة غرب بمحافظة مأرب (شمال شرق اليمن) في مسعى لتحقيق "تقدم ميداني" يمكنها من فرض شروطها في المفاوضات التي تشرف عليها الامم المتحدة والمتعثرة منذ ديسمبر 2018.
ومنذ تجددت المواجهات أعلنت القوات الحكومية عن تصديها بإسناد من مقاتلات التحالف العربي لسلسلة هجمات حوثية بأنساق بشرية هائلة في الجبهات الغربية لمحافظة مأرب حيث تسعى ميليشيا الحوثي الانقلابية إلى التقدم نحو المدينة النفطية التي سال لعاب الميليشيا من أجلها. وبحسب مراقبين عسكريين تعتمد ميليشيا الحوثي على استراتيجية "الانساق البشرية" بهدف زعزعة نفسيات مقاتلي القوات الحكومية واضعافها وتحقيق انتصارات ميدانية ولو كانت بكلفة بشرية عالية جدا، وهي استراتيجية اعتمدها ايران في الحرب مع العراق إبان حكم الرئيس الراحل صدام حسين. وأوضح المراقبون العسكريون أن الحوثيين يهدفون من خلال استراتيجية "الانساق البشرية" إلى قضم المناطق في الاطراف الغربية لمدينة مأرب بالتدريج وصولا إلى الهدف العام المتمثل في السيطرة على المدينة والتي بالتأكيد ستكون كلفتها عالية ويستبعد أن تكون قريبة خاصة وأن القوات الحكومية والتحالف لم ترمي بجميع أوراقها في المعركة وماتزال تخوض في المواجهات "الدفاع" ولم تكشف عن أهم أوراقها حتى اللحظة، فيما يبدو أنها "فخ" ينصب للحوثيين قبل تنفيذ "الهجوم الكبير".
وأشار المراقبون العسكريون إلى ان الحوثيين استطاعوا تحقيق ما وصفها بـ"اختراقات" على الميدان في الجبهات الغربية لكنها ليست "استراتيجية" فبالامكان استعادتها في أي لحظة عندما تقرر الحكومة بدء هجوم معاكس على الميليشيا. وشيعت ميلشيا الحوثي خلال شهري يناير وفبراير الماضيين ما يقارب ألف جثة، ما يرفع عدد قتلى الميليشيا منذ مطلع العام الجاري إلى 2100، بينهم المئات من العناصر الذين وزعت لهم الميليشيا رتباً عسكرية صورية. وقالت قناة "خرائط حروب الشرق الاوسط" على "يوتيوب" الذي يشرف عليه ضابط سابق في القوات العراقي يدعى، عبدالجبار الجبوري، إن المعارك حاليا في غرب مدينة مأرب "كر وفر من أجل السيطرة على تبة أو قمة جبلية أو استعادة منطقة أخرى أو القيام بهجوم مقابل في منطقة أخرى".
وأوضح الحساب أن الحكومة تلجأ إلى استراتيجية "الكمائن" لامتصاص الانساق البشرية التي تدفع بها ميليشيا الحوثي، محذرا في الوقت نفسه من أنه "حال فشلت هذه الاستراتيجية ستكون هناك اندفاعة كبيرة للقوات الحوثية تمكنها من الوصول إلى هدفها". من جانبه قال رئيس هيئة الاركان العامة صغير بن عزيز في لقاء مع شبكة "سي إن إن" الاميركية ضمن تقرير حول معركة مأرب بثته أمس الجمعة، إن "الحوثيين يحققون تقدما طفيفا في المرتفعات الجبلية غرب مأرب، لكن في الصحراء القوات الحكومية تتقدم وبشكل كبير ونحن مسيطرون". وأشارت الشبكة إن مقاتلي القبائل في مأرب هم من يعوض النقص في صفوف القوات الحكومية، موضحة أن "قد تثبت مأرب -حتى الآن- الرافعة الدولية التي تؤدي في النهاية إلى حل وسط، لكن في الوقت الحالي، يمكن أن يحدث أي شيء"، في إشارة إلى امكانية تغير موازين القوى ومسار المعركة مستقبلا.
وتعتبر مأرب أكبر المدن اليمنية التي استضافت نازحين منذ بدء الحرب، حيث تشير التقديرات الحكومية إلى أنها تضم 2.3 مليون نازح، فيما سبق وأن قدرت تقارير أممية بأن المدينة تأوي مليون نازح. ودخل اليمن في اتون حرب اهلية منذ اجتياح الحوثيين العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014 وانقلابها على السلطة الشرعية المتوافق عليها دولياً. وتقود السعودية منذ مارس 2015 تحالفا عسكريا بهدف انهاء انقلاب الحوثيين واعادة الشرعية ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي إلى اليمن. وأدى الصراع في اليمن الذي اندلع منذ اكثر من ست سنوات إلى مقتل 233 ألف مدني وتشريد 3.6 مليون من منازلهم والتسبب في "أسوأ كارثة انسانية على مستوى العالم".