كشفت صحيفة و"اشنطن بوست"، اليوم الخميس، عن تعثر المفاوضات بين مسؤولين أميركيين وسودانيين والهادفة إلى دفع السودان إلى التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، مشيرة إلى أن توقفها أثر على زخم النجاحات الدبلوماسية للإدارة الأميركية قبيل انتخابات الرئاسة المزمع إجراؤها يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وكان مسؤولون أميركيون قد أجروا الأسبوع الماضي محادثات مع الخرطوم بهدف دفع السودان للسير على خطى الإمارات والبحرين اللتين أشهرتا تطبيعهما مع الاحتلال.
كما عرض مسؤولون أميركيون في العاصمة الإماراتية أبوظبي على الخرطوم تطبيع العلاقات مع الاحتلال كجزء من نهج جديد لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وفي هذا السياق، صرح رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، أخيراً، بأن السودان طلبت فصل مسار رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية لللإرهاب عن ملف التطبيع.
ونقلت "واشنطن بوست" عن مسؤولين سودانيين اثنين أن المفاوضات تعثرت جزئيًا لأن المفاوضين السودانيين يخشون من أن الاعتراف السريع بإسرائيل دون الحصول على حزمة مساعدات اقتصادية كبيرة قد يؤثر سلباً على الدعم الشعبي لحكومة عبد الله حمدوك غير المنتخبة.
وقال المسؤولان، اللذان تحدثا شريطة عدم الكشف عن هويتيهما، إن الولايات المتحدة، والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل عرضت معاً على السودان أقل من مليار دولار ، معظمها على شكل ائتمان ووقود واستثمارات، وليست أموالا نقدية، هو ما تحتاج إليه السودان بسبب انهيار سعر العملة وارتفاع التضخم.
وحسب "واشنطن بوست"، فإن المفاوضين السودانيين يطلبون ضعف ذلك المبلغ على الأقل مقابل التطبيع. وامتنعت وزارة الخارجية السودانية عن التعليق على المحادثات، كما رفض مسؤولون إسرائيليون التعليق على المفاوضات.
وطبقا للصحيفة، فإنه نتيجة لتناقص نفوذ السودان في العالم العربي، فإن صفقة التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب لن تكون "جائزة ثمينة" في أعين واشنطن وتل أبيب مقارنة بصفقة مع قوة إقليمية بحجم السعودية.
ومع ذلك، ترى الصحيفة أن الصفقة ستكون ذات أهمية رمزية، إذ إن السودان والكيان الإسرائيلي كانا، طيلة حكم البشير، عدوين لدودين، كما أن المشاعر المؤيدة للفلسطينيين متأصلة بعمق في المجتمع السوداني، بحسب "واشنطن بوست".
وكانت مصادر دبلوماسية سودانية قد كشفت أن الإمارات والسعودية تمارسان ضغوطاً كبيرة على صنّاع القرار في الخرطوم للحاق بقطار التطبيع، على الرغم من ممانعة الشارع والنخبة السودانية. وأفادت المصادر بأن أبوظبي والرياض تحاولان استغلال الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تجتاح السودان، وكارثة السيول التي تسببت في تشريد نحو مليون سوداني في الضغط على الحكومة ومجلس السيادة، لتطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي.
وتصاعدت في السودان، خلال الأيام الأخيرة، المواقف الرافضة لأي استجابة من السلطة الانتقالية، للضغوط الإقليمية والأميركية للقبول بالتطبيع مع إسرائيل. ودشن رئيس حزب "الأمة القومي"، رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي، مساء السبت الماضي، حملة شعبية من خلال ندوة سياسية، لمناهضة التطبيع مع إسرائيل. وتعهد في الندوة بتبيان الحقائق للمواطنين "حتى لا يُخدعوا بعبارة السلام ونبذ الشعار التهريجي: السلام مقابل السلام". وأشار المهدي إلى أن حزبه سيدعو القوى السياسية والمدنية، واللجان الثورية، والتكوينات التقليدية القبلية، والصوفية، وسائر المنظمات الإسلامية لاتخاذ موقف شعبي موحد.
ومنذ اللقاء الذي جمع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في فبراير/شباط الماضي، في مدينة عنتيبي الأوغندية، انقسمت الأحزاب السودانية والرأي العام بنسبة ما، حول موضوع التطبيع، لا سيما داخل تحالف "الحرية والتغيير"، إذ تتبنى 5 أحزاب رئيسية داخل التحالف موقفاً رافضاً للتطبيع، من حيث المبدأ أولاً، وهي "الأمة القومي" و"الشيوعي" و"البعث العربي الاشتراكي" و"الناصري" و"البعث السوداني". كما ترفض هذه الأحزاب تدخّل عسكر السلطة الانتقالية، وتغولهم على واحد من مواضيع السياسة الخارجية، التي هي من صميم مهام واختصاصات السلطة التنفيذية، مُمثلة في مجلس الوزراء المدني. وترى بعض الأحزاب أن فكرة التطبيع مجرد محاولة لتقوية المكون العسكري على حساب المكون المدني.